نجاة، لا ليست تعبيراً عن حال العديد منا، نجاة هي جارتنا.
اليوم وبعد مرور أكثر من عشرة أعوام، ليست على أي ظاهرة كونية أو حربٍ عالمية أو خيانة أحد العظماء، عشرة أعوام على تغيير ملابس جارتنا نجاة والذي يعتبر تغييراً جذرياً وتطوراً ملحوظاً للفكر والعمل المجتمعي وقد يسأل العديد منا ما علاقة نجاة بالرقي الفكري والمجتمعي؟
لم تكن نجاة كغيرها من نساء الحي حيث اختارت لنفسها صديقات وأصدقاء يتشابهون في الاختلاف حيث كان لهم ثقافة مختلفة عن المحيط، تُعتبر نجاة من مؤسسي ومتابعي الندوات الثقافية والمبادرات الشبابية والمجتمعية في بداية الألفينات، إذ حينها كان يعتبر هذا النوع من الأنشطة مرتبطاً بالتنوع الثقافي والعلمي بالتشبيك مع محافظات وبلدان أخرى.
ملابس نجاة المنسقة بألوان أنثوية تضفي رونقاً خاصاً للمناسبة وللمكان، التنانير بأشكالها والسترات بألوانها والكنادر الرسمية.
اليوم من يرتدي قميصاً أم كندرة لينتشل ما تبقى من أحياء أو لتوزيع إعانات غذائية أو حتى لتنفيذ نشاط ترفيهي توعوي لمجموعة أطفال؟
لم تكتفي الحرب في تغيير ثقافة نجاة إذ أن المجتمع المدني كله حصل على التغيير، حيث لكل مرحلة زمنية طابع خاص بها كما آزياء جارتنا الست نجاة.
ما هو المجتمع المدني؟
وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي: “فالمجتمع المدني يشير إلى مجموعة واسعة من المنظمات: مجموعات المجتمع، المنظمات غير الحكومية والنقابات العمالية، ومجموعات السكان الأصليين والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والجمعيات المهنية والمؤسسات.”
متى ظهر مصطلح المجتمع المدني؟
أصبح المصطلح شائعاً في المناقشات السياسية والاقتصادية في ثمانينات القرن الماضي، وظهر المصطلح أكثر في الاجتماعات والمؤتمرات الدولية، كما يطلق على المجتمع المدني أحياناً “القطاع الثالث” بعد الحكومة والتجارة والذي لديه القدرة على التأثير في أعمال صانعي السياسات والشركات.
محاور المجتمع المدني
يقوم المجتمع المدني على أربعة محاور:
_ صنع السلام: يساهم صندوق الأمم المتحدة في صنع السلام من خلال مشاركة القرار مع منظمات إقليمية ومنظمات المجتمع المدني وممثلي حقوق الإنسان وذلك تأمين الحماية والأمان من المخاطر والنزاعات وخلق سلام في المنطقة.
_ بناء السلام: يعمل صندوق الأمم المتحدة لبناء السلام على دعم ومساندة البلدان أو الحالات التي يمكن أن يكون فيها خطر أو نزاعات أو حروب من خلال التشبيك مع حكومات ومنظمات اقليمية أو المصارف المتعددة الأطراف.
_ توليد ونشر المراجع المعرفية.
_ تلبية الاحتياجات الإنسانية والتنموية وتفعيل الحوكمة في قطاع المجتمع المدني.
المجتمع المدني في سورية:
المجتمع المدني في سورية سواء أكان تعريفاً أم مفهوماً أو مصطلحاً هو غير واضح إذ هناك عدة مفاهيم وعدة تعاريف حيث لم ينص على تعريف ومفهوم واحد له إلى الآن.
من الصعب تحديد حجم قطاع المجتمع المدني في سورية حيث تم تسجيل 172 منظمة مقرها في سورية، في حين هناك 137 منظمة سورية غير حكومية تعمل في سورية هي أعضاء UNOCHA.
ولك هذه الأرقام بالتأكيد لا تعكس حجم النشاط، إذ يعد وجود الجمعيات والنقابات عهداً قديماً في سورية وقد مر عليه الكثير من التغييرات والتشريعات منذ العهد العثماني إلى انجلاء الاحتلال الفرنسي حتى الوحدة ما بين سورية ومصر إلى يومنا هذا.
حيث نظم المرسوم التشريعي الذي صدر قانون 152 لعام 1935م، عمل النقابات وفي عام 1938م، بدأت النقابات والجمعيات في العمل.
وبعد انجلاء الاحتلال الفرنسي عام 1946م. حدث تطوير لمفهوم العمل المجتمعي في سورية، حيث نصت المادة 17 على حق المواطنين بتشكيل الجمعيات والنقابات حتى سنة 1958، وكان للوحدة بين سورية ومصر رؤى وأفكار أخرى عن العمل المجتمعي ووجوده بهذا الشكل على الأرض السورية حيث بدأت نوعاً ما بتجميده.
في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي بدأ العمل المجتمعي في الظهور مجدداً بتشكيل نقابات بمختلف مسمياتها وتعزيز دور المرأة من خلال الاتحاد العام النسائي والجمعيات والندوات الثقافية منها والعلمية.
نتيجة الحرب على سورية عام 2011، بدأ تفعيل دور المجتمع المدني حيث كان له دور في تخطيط وتنفيذ برامج السلام والمصالحة الوطنية والسلم الأهلي وإعادة الأعمار، حيث قامت المنظمات الإنسانية والجمعيات الأهلية بمختلف برامجها التنموية والثقافية والاصلاحية والغذائية والصحية بمشاركة رؤى وأهداف واحدة وهي تلبية الاحتياجات الإنسانية والتنموية بالتشبيك مع وزارة الشؤون الاجتماعية للوصول إلى أقصى عدد ممكن من المتضررين.
بعد أكثر من عشرة أعوام من تراكم الخبرات والتجارب والمشاركات الشبابية من خلال مؤتمرات وندوات ومباحثات اكتسبت منظمات المجتمع المدني قدراً كبيراً من البصيرة والمعرفة وخاصة الفئة الشبابية التي جعلت منهم قادرين على تحديد احتياجات مجتمعاتهم المحلية أكثر من المانحين الأجانب.
المجتمع المدني ما بعد كوفيد_19:
عاش المجتمع المدني تخوفاً من وصول جائحة كورونا إلى سورية والذي سيضيف تحديات جديدة للبلاد حيث بدأت المنظمات والجمعيات الأهلية بوضع خطط تساعد على تأمين وتوفير الرعاية الصحية الأولية وخاصة في المدن التي تعاني من نقص في الخدمات الطبية حيث وجد المجتمع المدني لنفسه استراتيجيات للتكيف مع ظروف العمل الجديدة في ظل الجائحة. فلم تؤثر على بيئة العمل والتطبيق العملي للبرامج التي تنفذها المنظمات بالإضافة إلى تكييف عملهم مع تدابير التباعد الاجتماعي بالإضافة لإيجاد حلول لجعل الأنشطة افتراضية مع اتباع تعليمات وأنشطة وحملات توعية صحية.
جعلت جائحة كوفيد 19 من المجتمع المدني شريكاً رئيسياً في وضع خطط واستراتيجيات الاستجابة للطوارئ، كما جعلت مرونة المجتمع المدني ووصوله السريع والفريد إلى السكان المحليين تجعله شريكاً قوياً وأكثر مصداقية في العمل الإنساني والتنموي.
كما كان لمنظمات المجتمع المدني دور مهم في تمكين الشباب من خلال برامج ومشاريع ودورات مهنية تدريبية بالإضافة الى المبادرات الشبابية المجتمعية حيث كان الهدف منها تمكين الشباب من أدواتهم وتنمية الجوانب المهنية والعلمية والثقافية والفنية لتساعدهم على تحديد أهدافهم وتنمية مهاراتهم وبناء قدراتهم مثل: (حلاقة، خياطة، صيانة حواسيب، تركيب طاقة شمسية، صيانة موبايلات، علوم إدارية، لغات) والكثير منها.
كان ليزن قصة قبل وبعد مشاركته في الدورة المهنية؛ “كان أبي وأعمامي يقومون بالسخرية كوني لم أستطع النجاح كأبناء عمي في المدرسة إلا أن حصولي على شهادة التدريب المهني ونجاحي في الاختبار وتقديم التمويل لمشروعي المهني من قبل المنظمة جعل أبي فخوراً بي من جديد.”
لم يتوقف نجاح المجتمع المدني في تمكين الشباب، حيث عمل ويعمل جاهداً على تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً حيث أقامت منظمات العمل المدني ورشات وتدريبات مهنية (حلاقة، صناعة منظفات، خياطة، محو أمية، طبخ) والعديد منها، كما قدمت لهم جلسات توعية كان الهدف منها طرح القضايا المجتمعية المحلية التي تعاني منها المرأة السورية، كما أكدت على أهمية دورها في المجتمع .
نهى وهي إحدى السيدات المشاركات في دورة مهنية، أخبرتنا عن رأيها في مشاركة السيدات ضمن التدريبات المهنية: “للأسف لم نكن نعلم نحن السيدات أننا ضحايا عنف اقتصادي من أزواجنا حتى قمنا بحضور التدريبات وشعورنا بقدرتنا على الإنتاج مثلنا مثل الرجال، لن أنتظر مصروفي من زوجي بعد الآن.”
لم يكتفي العمل المدني على برنامج واحد حيث كانت منظمات وجمعيات أهلية تعمل بحرص على خلق فرص ومجالات داعمة وآمنة لجميع أفراد المجتمع.
حيث عملت على نشر السلام من خلال مبادرات وحملات مجتمعية نادت بنشر رسالة السلام بين أفراد المجتمع كما أقامت جلسات توعوية حول مفهوم السلام ودوره في بناء مجتمعات آمنة بعيدة البعد كله عن أشكال العنف المختلفة.
اليوم؛ جعل المجتمع المدني من نجاة وأصدقائها ويزن ونهى والكثير منهم مساحة للمشاركة في المناقشات والأنشطة التي تتعلق بالقضايا المجتمعية المحلية منها والعالمية كما جعل منهم أشخاص مؤثرين وفاعلين بشكل إيجابي بين أقرانهم ومجتمعاتهم كما كان لهم دور كبير في بناء السلام ومساهمتهم مع الوقت في تمكين الأفراد وشجاعتهم في تقديم الخدمات المتنوعة للأفراد وقدرتهم على مواجهة العادات والتقاليد البالية منها والتي تعرقل بدورها من تقدم المجتمعات والاعتراف بأهمية التعايش السلمي كما يسعى وسيسعى إلى دمج جميع شرائح المجتمع لتحقيق التنوع الثقافي والمعرفي والفكري.