لن أشرح تلك القرابة التي تصلني بـ سكينة لكي لا تطول القائمة العائلية المذكورة، لا يهم أصلاً!
لكن بحكم أنها جارتنا في نفس المبنى، جعل ذلك سبباً لمعرفة الشاردة والواردة عن حياتها.
تلك الفتاة “السيدة” التي تبلغ من العمر 19 عاماً، تشتكي وتبكي ليلاً نهاراً زوجها المتعصب الذي لا يمل بأن يقول لها يومياً “هاد النَفَس يلي عم تتنفسيه، لازم يكون بإذني”، وكأنه درس يومي سيمتحنها به بشكلٍ مفاجئ…
ترفق شكوتها هذه يومياً “ما عاد يحلم أرجعله”، لينتهي الأمر عندما يغطي المساء أرجاء المدينة، وأرجاء أحلامها بتغيير حالها هذا، لتلملم أغراضها وتعود لمنزل الذي يَعُد لها أنفاسها دون أي نقاش!
"تيتي تيتي، متل ما رحتي متل ما جيتي"
مثل شعبي Tweet
لن نقف على قصة سكينة وحسب، أنا، أنتَ وأنتِ وقائمة الأحلام التي تعبت انتظارنا منذ سنوات بتغيير “حال” معينة ونحن نخوض الحياة محاولين تجاهلها أو التكاسل عن خطوتنا الأولى تجاهها، رغم أننا نصحى كل يوم ونغفو حالمين بها.
هنا أحاول تحييد الظروف المتغيرة التي تجبرنا ببعض الأحيان على حال معينة، أحاول فقط إلقاء الضوء على هذه القوى الخفية التي كلّما نتذكر حلم التغيير ونبدأ التوّصل لإقرار ذاتي نحكم على أنفسنا بوقف التنفيذ، وتمسك بيدنا وتسحبنا إلى الوراء!
إنها “مقاومة التغيير Resistance to change”.
ماذا يدور في داخلنا؟
يلي بتعرفه أحسن من يلي بتتعرف عليه!
مثل شعبي Tweet
هذا الرضا بـ “حال” سيئ نعرفه، أفضل من احتمال “حال” لا نعرف نتيجته هو عقدتنا البشرية، أي الخوف من المجهول هو ما يقودنا إلى الرضا بحال لا نرغبها، فنشعر جزئياً بوهم الاستقرار.
وهذا ما يدعى بـ الاستجابة العاطفية السلوكية تجاه خطر حقيقي أو متوقع يهدد أسلوب حياتنا المعتادين عليه.
وغالباً ما يرتبط التغيير في الأفكار والسلوك بفقدان بعض الطاقة وعدم اليقين بشأن النتيجة.
مقاومة التغيير … نحن أم الظروف؟
في كل مرة أستغرق التفكير في هذا الدافع النفسي الذي دائماً ما يقول لنا “لا”، لا تفعلي، لا داعي الآن، حتماً في المستقبل!
جئت أنا اليوم من المستقبل لأقول لكم أنه لم يحدث شيئاً!
لم يحصل هذا التغيير الذي طالما حلمت به، لأنه وببساطة لم أقم بأي شيء تجاهه، لا خطة ولا مراحل ولا إجراءات، ولا حتى عبّرت عن رغبتي به!
مجرد التسويف أنني سأقوم به في المستقبل.
هذه القوى التي تدفعنا للوارء، تخمد رغبتنا بتغيير حالنا، تدعى “مقاومة التغيير”، وإذا بحثنا في تعريف هذه الحالة نجد أنها:
“تهديد لشخصنا أو وضعنا أو الخوف من المجهول أو فقداننا للسيطرة؛ أو مخاوف عدم الكفاءة والتأقلم، أو عدم قدرتنا على مواجهة أنفسنا والتمسك بالعادات والتقاليد أو حتى الرضا عن الوضع الحالي الذي نعيشه.”
فتتمثل هذه المقاومة بامتناع الفرد عن التغيير وتفضيل المحافظة على الوضع القائم, وقد تتطور لتأخذ المقاومة شكلاً آخر، وهي أن يقوم الفرد بسلوكيات مناقضة لعمليات التغيير المطلوبة والتي يرغبها هو نفسه.
ويمكن النظر إلى مقاومة التغيير على أنها ظاهرة داخلية، أي سمة شخصية تميز سلوك الفرد، كما يمكن اعتبارها أيضاً ظاهرة خارجية، أي حالة قد تنشأ بسبب إدخال تغيير في الوضع الحياتي للفرد قد يتطلب تغيير عن الروتين العادي للتفكير والتعامل مع المواقف، مما يجعل الحلول أكثر صعوبة.
دائماً ما تكون قلة الوعي عاملاً حساساً في الكثير من القضايا، فسوء فهم الحاجة إلى التغيير سببه قلة الوعي، لكن الخوف هو كذلك عامل رئيسي في مقاومة الأشخاص للتغيير.
وهذه المقاومة قد لا تكون سلبية في كل الحالات، فأحياناً تتمثل إيجابية المقاومة عندما يكون التغيير المقترح سلبياً، بمعنى أن الفوائد المتحققة منه أقل التكاليف المدفوعة وعدم الامتثال له يصب في مصلحة الأشخاص، أما سلبية المقاومة فإنها تتم عندما تكون نتائج التغيير إيجابية ونتائجها تنعكس بشكل أفضل على المجتمع، ونقاومها!
تماماً كما تفعل سكينة، فهي تعرف أن التغيير لن يحدث بسهولة وتشعر بأن هذا التغيير خطر حقيقي على حياتها لمجرد أنه يهدد أسلوب حياتها الحالي وأن القادم هو مجهول، لذلك تختار دائماً الاستقرار الكاذب الذي تعيشه.
أما بعد.. عن مقاومة التغيير في المجتمع للحد من العنف!
تعد مقاومة التغيير من قبل أفراد المجتمع أحد أبعاد الاتجاهات نحو التغيير وهو البعد العاطفي أو الوجداني، والذي يعبر عن مدى قبول (تأييد) الأفراد، أو رفضهم (مقاومتهم) للتغيير، وتكون في الغالب مقاومة الأفراد للتغيير إما بشكل علني، أو بشكل ضمني، وقد تكون فردية، أو جماعية.
وتتمثل مقاومة التغيير في أي شيء يقوم به الأفراد (أو يمتنعون عن القيام به) تعبيراً عن تجنب مواجهة عملية التغيير.
فغالبية المجتمع ضمنياً هو على دراية بأن بعض العادات والتقاليد مكرّسة للعنف القائم على النوع الاجتماعي ولكل من الرجال والنساء نصيب من الممارسات العنفية، لكن تُحمّل الأذية بشكل أكبر في بعض المجتمعات على النساء فيما يتعلق بأمور الزواج والطلاق والعمل…الخ.
ورغم ذلك يعم الصمت تجاه التغيير لهذه العادات ورفع الظلم والعنف عن الأطراف المظلومة، ونحلم بأن يأتي مصباح علاء الدين وتوكيله لإجراء هذا التغيير، لكن هذا لن يحدث إلا من المجتمع نفسه، أفراده نفسهم!
أشكال شائعة لمقاومة التغيير:
“بليلة ما فيها ضو قمر” على لسان سكينة، احتدم النقاش الذي لم يستغرق وقتاً طويلاً ليتحول إلى جدال بينها وبين زوجها عندما أبدت رغبتها بالعمل لتملأ وقت فراغها لأنها لم تنجب بعد “وطبعاً الحق عليها” بمنظوره، وبـ “لحظة غضب” تحول من حالة جدال إلى مشهد عنف حقيقي، ضرب، وشتم، وإهانات!
أكملت سكينة ليلتها دون دمعة واحدة، التهمها الغضب، وبينما تكتب وتتراجع، تكتب وتمسح، تكتب وتتردد فضح زوجها على الفيسبوك، شاهدت منشوراً على المنصة ذاتها كتبته محامية على إحدى المجموعات النسائية تتحدث به عن قضايا العنف ضد المرأة.
هنا، قررت الانتقام!
أرسلت سكينة رسالة للمحامية طلبت رقمها، ليصلها بعد استيقاظها على صوت إغلاق باب المنزل بقوة مطمئنة أن زوجها غادر المنزل.
اتصلت على الرقم، ألو…
وصلت كل الشكاوى لأذن المحامية بشكل يوحي بعدم وجود حياة بينها وبين زوجها بعد الآن، سألتها المحامية: “بدك الطلاق؟”
ترددت بنفسها، لكن قالت بسرعة: “طبعاً، اليوم قبل بكرا”.
اتفقوا على كافة التفاصيل وحددتا موعداً لإتمام الاجراءات اللازمة، لكن حدث ما لم يكن بالحسبان!
لم تتأكد سكينة أن زوجها غادر بالفعل، وقد سمع تلك المكالمة التي غيرت مجرى الحدث.
عندما حان موعد اللقاء بين سكينة والمحامية، اتصلت المحامية بها لتعرف سبب تأخرها، ليأتي ردها المفاجئ: “صالحني وما عاد بدي أتطلق”!
رغم أن سكينة كانت على دراية تامة بأن كل الوعود هي مجرد بناء في الهواء، ولن يحصل أي شيء، لكن خوفها من المجهول الذي ينتظرها معتقدة أنه وحش سيلتهمها، يجعلها في كل مرة تقاوم اتخاذ قرار تغيير حالها.
ولو فكرنا في أنفسنا ما نرغب بالقيام به لتغيير حالنا، سنشاهد أنفسنا بـ “سكينة” على اختلاف القصة طبعاً نعاني من أشكال مختلفة لمقاومة التغيير، وقد تتمثل بأشكال عديدة تظهر أثناء النقاشات وطرح الحلول سواء من المقربين أو من ذوي الاختصاص، منها:
- مهاجمة أي فكرة أو مقترح يمكن أن يساعد في التغيير.
- طرح بعض الأسئلة التي لا تمت للتغيير بصلة.
- الصمت وعدم الإدلاء بأي تعليق حول إجراءات التغيير المقترح.
- عدم التعاون في تنفيذ التغيير وعدم القدرة على اتخاذ أي قرار بشأن التغيير.
- المدافعة عن الوضع الحالي، وعدم الترحيب بالوضع القادم.
- عدم الاستجابة لمتطلبات التغيير والتبرير وإطلاق سيل من الأعذار.
- طرح سلبية المقترحات المقدمة حول التغيير.
- تبرير عدم إمكانية أو استحالة حدوث التغيير، والتقليل من أهمية الحاجة له.
- النقد السلبي للتغيير، أو الموافقة الظاهرية له والتصرف بشكل مختلف.
- التمارض الذي يظهره بعض الأشخاص.
هل يمكن أن تتحول مقاومة التغيير إلى أزمة نفسية؟
كان سيمغموند فرويد وزميله جوزيف بروير أول من صاغ وعرف مصطلح “المقاومة” في المجال النفسي.
"المقاومة هي مسألة تشغيل القوى النشطة في العقل، والتي غالباً ما يكون الأفراد أنفسهم غير مدركين لها تماماً، مما يؤدي إلى استبعاد العوامل المؤلمة من الوعي."
Sigmund Freud Tweet
وفي سياق العلاج النفسي يمكن تعريف مقاومة الشخص للتغيير على أنها “تمثل العملية المستمرة ووظيفة دفاعات “الأنا” لدى المريض عند ظهورها وتجليها في الموقف العلاجي”.
وإحدى أهم المصادر الرئيسية لمقاومة التغيير هو “الخوف” الذي يتجلى في القلق وعدم اليقين الذي يشعر به المريض عند محاولة تطوير أساليب وآليات جديدة عند التعامل مع المشكلات أثناء العلاج.
البطل/ة الذي يكسر مقاومة التغيير ويحقق التغيير المجتمعي المطلوب
عندما كنت في الثانية عشر من عمري، صدر قانون باعتبار التعليم من الصف الأول إلى التاسع بـ “التعليم الأساسي” للذكور والإناث، وسمعت حينها ببعض القواعد والقوانين التي تحاكم الأهالي الذين لا يلتزمون به!
مازلت أفكر بمن كان وراء هذا القرار؟
هل جاءت الفكرة في حينها واتخذ القرار على الفور؟
من حقق التغييرات المجتمعية على مر الزمان؟
بعد 15 عاماً وصلتني الإجابة، عندما تعلمت بعض المفاهيم الجديدة في مجال بناء السلام المجتمعي، القيادة المجتمعية، المناصرة، وغيرها…
علمت أن التغيير المجتمعي يحتاج لقائد مجتمعي (أو قادة)، تلك الشخصية الاجتماعية، الفاعلة والمؤثرة الذي يلاحظ ويطرح هموم ومشكلات مجتمعه، ولديه القدرة على تحفيز الآخرين وتفعيل أدوارهم باتجاه التغيير الإيجابي.
أي أن ما حدث منذ 15 عاماً ما هو إلا نتاج من العمل والخطط والإجراءات المستمرة على مدى سنوات، والتعاون مع مختلف الجهات على مناصرة قضية التعليم وضرورته للفتيات والفتيان بنفس الدرجة، وهو بدوره كان طريقاً لحل العديد من القضايا المترابطة كعمالة الأطفال، الزواج المبكر… وغيرها.
فمن القائد المجتمعي الذي سيكسر مقاومة تغيير قضية “سكينة” وغيرها من القضايا؟