كما قيل قديماً: “المرأة التي تهز مهد ابنها بيدها اليمنى تهز العالم بيدها اليسرى”.
لذلك، للمرأة دور قيادي في المجتمع المدني والتغيير المجتمعي في أوقات السلام، وبانية للسلام في أوقات الحرب. فكما يلعب الرجل الكثير من الأدوار في الحياة السياسية والعلمية والتغيرات المجتمعية، فإن المرأة لا تقل شأناً عن الرجل وتأثيره في كل نواحي الحياة.
تعريف دور المرأة في المجتمع بكونها قائدة وبانية للسلام:
لعبت المرأة دوراً محورياً في نهضة المجتمعات القديمة والحديثة، وأثبتت من خلال هذا الدور قدرتها على التغيير الإيجابي في تلك المجتمعات، فحضورها اللافت في مختلف جوانب الحياة وإصرارها على الوقوف بجانب الرجل ومساندتها له دليل على كونها عنصراً أساسياً في إحداث عملية التغيير في المجتمع.
من ناحية أخرى، تواصل النساء في البلدان المتضررة من الأزمات لعب أدوارٍ أساسية مختلفة لحل النزاعات وإحلال السلام في مجتمعاتهن؛ فهن يتوسطن لوقف إطلاق النار، ويتفاوضن مع الجماعات المسلحة لإنهاء تجنيد الأطفال، ويتوسطن لإطلاق سراح السجناء السياسيين، ويشاركن في مفاوضات عبر الخطوط الأمامية لتأمين الوصول إلى المساعدات الإنسانية والمياه والموارد الحيوية الأخرى.
المرأة القائدة.. بانية للسلام
للمرأة قدرة كبيرة في التأقلم مع كل ظروف الحياة. إنها تعمل داخل البيت وخارجه كي تلبي احتياجات أسرتها المتعددة. وفي أوقات الحرب نجد أن العبء يزداد عليها كثيراً؛ فهي تفكر في إيجاد الأمان لأطفالها، وتأمين الطعام والماء لهم، وخلق جو مليء بالحب والسعادة كي تنقل أطفالها من شعورهم بالخوف والضغط النفسي الشديد إلى شعورهم بالحب والعطف والأمل بالحياة. وتحرص الأم أو المعلمة في إكمال مسيرتها التعليمية في أحلك الظروف، ولا تتوقف عن تعليم أبنائها وطلابها كي تنقلهم من جهل الظلام إلى نور العلم والمعرفة.
تقول تاريا فرنانديز، سفيرة فنلندا في لبنان والأردن وسوريا: “كانت فنلندا من أوائل البلدان التي نفذت قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1325، وهي تعمل مع الشركاء في جميع أنحاء العالم لضمان أن تلعب النساء دوراً أكثر جدوى في عمليات الوساطة والسلام والانتقال، وكذلك في منع نشوب النزاعات وبناء السلام على كافة المستويات”.
وتقول ألكساندرا دير، المستشارة الإقليمية لشؤون المرأة والسلام والأمن في المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية: “من خلال معرفتهن العميقة بمخاوف مجتمعاتهن ومظالمهن، تقدم بانيات السلام مساهمات أساسية لإرساء سلام لا يخلف أحداً وراء الركب”.
المرأة القائدة في المجتمع المدني والتغيير المجتمعي
تسعى المرأة لتستلم دوراً قيادياً لتعم الفائدة لكل من حولها، ولكن وجود العديد من العوامل المساعدة المحفّزة لها من أهم الأمور كي تقوم بدورها القيادي على أكمل وجه. ومن أهم تلك العوامل:
- وجود منظومة قيمية لدى المرأة كالأخلاق والاحترام والنجاح الأسري.
- امتلاك مجموعة من المهارات الأساسية كالذكاء العاطفي والاجتماعي، وحل المشكلات، وإدارة النزاعات، والتأثير في الآخرين.
- توافر السمات الإيجابية الهامة كالصدق والالتزام والمثابرة؛ أي صدقها في التعامل في محيطها، والتزامها بواجباتها تجاه نفسها والآخرين، ومثابرتها واجتهادها في عملها في شتى المجالات.
- توفر البيئة المناسبة المشجعة للمرأة لتقوم بدورها القيادي في المجتمع المدني والتغيير المجتمعي.
في الواقع، تتعرض المرأة للكثير من الضغوطات في سبيل الوصول لتحقيق دورها الفعّال في المجتمع، وإثبات مكانتها المهمة؛ كضغط الأسرة، والعمل لساعات طويلة ونظرة بعض المجتمعات السلبية، ومنع البعض من التحصيل الأكاديمي للمرأة وغير ذلك.
لذلك، لم تصل المرأة كما تستحق أن تصل إلى كافة مجالات الحياة في كل المجتمعات، فتم تهميشها في المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها.
إن المرأة القائدة ستقوم بدورها على أكمل وجه في المجتمع المدني والتغيير المجتمعي إذا توفرت فيها الصفات الإيجابية القوية المناسبة وكانت ببيئة مناسبة محفزة؛ فهي الأم والمربية والمعلمة والطبيبة والمحامية والمزارعة والممرضة والتاجرة وصاحبة المناصب السياسية الهامة. كل مكان مناسب تكون فيه المرأة المناسبة يشرق وينجح بإشراقها ونجاحها.
زنوبيا، ملكة تدمر والقائدة العظيمة…
تعود الملكة “زنوبيا” في نسبها إلى الملكة “كليوباترا”. ولدت في تدمر وسافرت نحو مصر لتلقي العلوم. كانت فارسة وحكيمة وتعطي رأيها في الأوضاع السياسية. تولت عرش تدمر بعد وفاة زوجها الامبراطور، وتمكنت من توطيد حكمها في تدمر. بدأت بالتوسع فسيطرت على سورية، ووصلت إلى بيزنطة، واتجهت نحو مصر فاحتلت الاسكندرية. كانت تشرف بنفسها على قيادة الحملات، وتقود الجيش، وتدير المعارك فباتت تعتبر نفسها “الملكة المحاربة”. وطدت الحكم في مملكتها وبقيت حتى سقطت مملكتها في أيدي الرومان.
ومن أهم ما ورد عن الملكة زنوبيا في كتب التاريخ:
- سيطرت بشكل كامل على دولتها، وتعاملت بصرامة مع المعارضين
- صكت عملات كانت تحمل صورتها في الإسكندرية وبات يتم تداولها آنذاك
- أحاطت نفسها بالمفكرين والفلاسفة والمثقفين
- كانت سيدة شجاعة صارمة في التعامل مع المواقف الحرجة
- كانت جميلة وذكية بقدر كاف لتعرف الوقت المناسب لاتخاذ أي قرار، وتميزت بالتفكير والتحليل
- كانت متعلمة حيث تعرف عدة لغات
- كانت تتقن الصيد والرماية
كتبت زنوبيا في رسالة إلى الإمبراطور الروماني “أوريليانوس” الذي رغب في كسر طموحها بشن حملة عسكرية على مناطق سيطرتها في الشرق:
“تطلبون استسلامي كأنكم تجهلون أن كليوبترا قبلي فضلت أن تموت ملكة وأن لا تستسلم”
ويحكي التاريخ لنا قصص الكثير من النساء القادة الناجحات اللاتي تركن بصماتهن في مجتمعاتهن مثل: بلقيس وكليوباترا وشجرة الدر وغيرهن الكثيرات.
دور المؤسسات والجمعيات في تمكين دور المرأة المجتمعي
على المجتمع كله أن ينهض لتعزيز وتشجيع المرأة لاكتشاف ذاتها وقدرتها ودورها في المساهمة ببناء المجتمع. فالجمعيات والمؤسسات المدنية من دورها أن تقيم المحاضرات التعريفية والورشات التدريبية التي من شأنها أن توضح الدور الهام والفعال للمرأة في قيادة أسرتها وعملها بالشكل الصحيح. تتماشى هذه المحاضرات والورشات مع ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بالمرأة ودورها في المجتمع. ومتى ما عرف الرجل دور المرأة وأدرك أهميتها في بيتها وأسرتها ومجتمعها بات عليه أن يدعمها ويشجعها ويقحمها معه في الحياة العملية.
ختاماً، يكمن دور الأسرة في تنشئة أبنائها وبناتها ليكونوا قادة في مجتمعاتهم؛ فيعرف الفتى دوره في مجتمعه منذ نعومة أظفاره وكيف يسهم في بنائه، وتدرك الفتاة أهمية دورها الذي لا يقل أهمية عن دور الشاب في المساهمة ببناء المجتمع. وتأتي المدرسة لتعزز دور الأسرة التربوي، وكذلك المؤسسات المجتمعية الأخرى في نطاقها الواسع؛ فينضج الوعي العام وتكتمل الصورة الكاملة للسير بالمجتمع نحو الرقي والتقدم والسلام.