تحكم المجتمعات العديد من القواعد والعادات والتقاليد التي تراكمت على مدار السنوات والتي حددت سير أي مجتمع وحددت مسار نموه وطبيعة العلاقات التي يتبعها الأشخاص إن كانت العلاقات الأسرية أو المؤسسات التربوية أو المهنية بالإضافة للأدوار التي يقوم بها الأشخاص في مواقعهم المختلفة فقديما كان لا يوجد مفهوم تقسيم الأدوار فكان الهدف الرئيسي للإنسان هو الحفاظ على النوع البشري وتلبية حاجاته الأساسية من مأكل ومشرب وتكاثر، لكن مع تطور المجتمعات البشرية بدأت الحاجة إلى تقسيم الأدوار، ومع التغييرات عبر مر العصور وبعد سيطرة الرجل على بعض القطاعات وظلم بعض الرجال للنساء وعدم أخذ كامل حقوقهم، ظهرت الحركات النسوية والتي سنذكر لمحة عن تاريخها فيما بعد. أصبحَ للمرأة أدوار وكذلك الرجل وهذا تبعاً للأنماط السائدة في كل مجتمع واحتكار الرجال بعض الأعمال، لكن مع النضال المستمر للحصول على حقوق متساوية فهي إنسان قبل أن تكون إمرأة وهذا حصل بسبب تكاتف جهود ملايين الرجال والنساء وعلى مر الزمن تحسن الوضع في العديد من المجالات ولكن ليس جميعها فإن مساهمة النساء في المجتمع المدني وخصوصاً في عمليات بناء السلام والوساطة للأسف كان ضعيفا ومهمشاً وليس كما يجب أن يكون.
تاريخ الحركة النسوية
بدايةَ تعرَّف الحركة النسوية على أنها: مجموعة من الحركات الاجتماعية والمدارس الفكرية المعنية بمناهضة التمييز والقمع القائم على أساس الجندر (النوع الاجتماعي، الجنس)، وتشمل حركات اجتماعية مختلفة حول العالم في مختلف الأزمنة.
وقد مرّت الحركة النسوية بأربع مراحل:
المرحلة الأولى: في نهاية القرن التاسع عشر واستمرت حتى منتصف القرن العشرين وكانت تعني بعض النساء واقتصرت على مطالبتهم بحق التصويت وكانت تتجاهل حقوق باقي النساء وغير مكترثة بالتمييز العنصري أو الوضع السيء للنساء العاملات.
المرحلة الثانية: في ستينات القرن العشرين وسبعيناته، وكانت أكثر راديكالية فركزت على المساواة الجندرية والجنسانية، تحرر المرأة والجسد، وتجاهلت أيضاً القضايا المتعلقة بالعرق، والطبقة والسياق العالمي.
المرحلة الثالثة: في تسعينات القرن الماضي ومازالت مستمرة في عمل حركات ومجموعات نسوية حتى اليوم، وكانت هذه الموجة وضعت (الجنسية، العرقية، الطبقية) كمحور في نضالها.
واليوم وبالتأكيد نجد أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً في دعم الحركة النسوية وتم استثمارها بعدة حملات وحركات نسائية مثل حركة ME TOO (أنا أيضاً): وهي حركة نسوية كانت ضد الاعتداء الجنسي والتحرش وكلمة أنا أيضاً تعني تدل على المشاركة بتجارب مشابهة.
فالنسوية كانت وليدة نضال طويل ومستمر، ووعي جماعي للنساء واستيقاظهن على أهمية دورهن كي ينادوا بحقوقهن ليكن شركاء ببناء المجتمعات.
ضآلة دور النساء في بناء السلام:
نصف مجتمع:
دائماً نقول المرأة نصف المجتمع، إنها حقاً نصفه لكن من نصفه الآخر بالتأكيد هو الرجل إنه نصفه الآخر، وبغير تعاون النصفين معاً لضمان حقوقهم وكي يكونوا شركاء في عمليات بناء السلام والذي يعرف حسب الأمم المتحدة ودورها في بناء السلام والحفاظ عليه، على النحو المحدد في القرارين المزدوجين للجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن (262/70/A و\S/2016/2282) هو “هدف وعملية تهدف إلى منع تفشي وتصعيد، واستمرار وتكرار الصراع”. حددت هذه القرارات دور الأمم المتحدة في بناء السلام والحفاظ عليه وتهدف إلى بناء قدراتها ودعم قدرات الجهات الفاعلة الوطنية. كما أنها تحول نقطة البداية في التحليل من النظر فقط إلى دوافع المخاطر إلى فهم مصادر المرونة في المجتمع أيضا، مع التركيز على الاستباق الوقائي بدلاً من رد الفعل.
وهو يهدف إلى منع اندلاع العنف الذي يمكن أن يبرز إلى السطح قبل وأثناء وبعد النزاعات وتصاعده واستمراره وتكراره، وهو يُعد عملية طويلة الأجل وتعاونية لأنها تنطوي على تغييرات في المواقف والسلوكيات والأعراف والمؤسسات.
فيد واحدة لا تصفق بل على النساء والرجال أن يكونوا شركاء في عمليات بناء السلام وحل النزاعات، بتوعية ودعم بعضنا البعض ومعرفة حقوقنا وواجباتنا تجاه بعضنا وتجاه أنفسنا، فدور النساء في عمليات بناء السلام والوساطة وحل النزاعات مهمش كغيره من الأدوار المهمة للنساء، فتقول إحدى الدراسات التي أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة في عام 2012 بشأن 31 عملية سلام بين عامي 1992 و2011، مدى هذا التهميش للمرأة، حيث أن: 4% فقط من الموقعين، و2.4% من كبار الوسطاء، و3.7% من الشهود، و9% من المفاوضين، كنَّ من النساء.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وجود تهميش ونقص في مساهمة النساء في بناء السلام على نطاق أوسع من الأسرة أو الأعمال المجتمعية والبيئة المحلية، فلتتعالى أصوات النساء المنادية بوقف كل أشكال العنف ولنبني جسوراً للسلام تصل المجتمعات ببعضها برباط يجمعنا جميعا هو الإنسانية فآثار النزاعات والحروب لا تمحى في يوم وليلة بل تبقى كالندبة في أرواحنا، لكن ببناء السلام وإعلاء أصواتنا لوقف كل أشكال العنف العديدة نستطيع أن نخفف من آثار هذه الندبة تؤول إلى التلاشي.
الوساطة والنساء وبناء السلام
صحيح أن دور النساء مهمش في بناء السلام وخصيصاً الوساطة ففي مجتمعاتنا غالباً ما تكون هذه الأدوار للرجال والوساطة (هي عملية الوصول إلى اتفاق يجمع الطرفين المتنازعين)، ففي معظم عمليات الوساطة يكون الرجال في مقدمة وتنأى النساء في الخلف في هذه العمليات للعديد من الأسباب الاجتماعية كالعادات والتقاليد والصور النمطية بأن الرجال أكثر ثقة في هذه الأمور من النساء… والكثير من المؤثرات كي يتضاءل دور النساء في هذه العملية المهمة في أي مجتمع وأي نزاع، وبالتأكيد هذا الدور غير معدوم، لكن مع ذلك هناك العديد من قصص تأثير النساء ودور هام في بناء السلام ومن أحد القصص الملهمة هي قصة إيلين جونسون سيرليف والتي قالت:
"كنت أول رئيسة أنثى لبلد إفريقي، وأؤمن بأن على العديد من الدول أن تحاول القيام بذلك"
إيلين جونسون سيرليف Tweet
هذه هي مقولة فخامة إيلين، الحائزة على جائزة نوبل والرئيسة السابقة لليبيريا. تروي كيف ساعدتْ نساء ليبيريا في إعادة بناء مدنهن بعد أعوام من الحرب الأهلية، تحدثنا سيرليف عن السبب لضرورية المساواة بين الجنسين لتحقيق السلام والازدهار وتشارك معنا خطتها للنهوض بجيل النساء تهيئةً لهنَّ لشغل مناصب قيادية وتحفيزهن لتغيير المجتمع.
في النهاية، هذه المقالة تناولت جانب ليس بكبير عن دور النساء في بناء السلام وحل النزاعات والوساطة، إن الموضوع عميق ويتشعب للعديد من الأمور والقضايا التي تحتاج لمقالات ومقالات، ولكن هذه تجربة متواضعة لعرض دور النساء وأهمية تعزيز دورها في عمليات بناء السلام والوساطة والحث لكي تكون شريكة وجزء من الحل لنصل إلى طريق السلام لتكون بانية سلام.
إعداد: شهد قرقوط
للقراءة أيضاً: