ما الذي يدفع مجموعة من الأطفال المنتمين لقبيلة في جنوب إفريقيا على تفضيل التشاركية لسلة من الفاكهة وضعها لها أحد علماء الأنثروبولوجيا بهدف رؤية الحالة التنافسية لديهم؟ كانت الإجابة على لسانهم بـ أوبونتو!
فماذا يعني أوبونتو؟ وهل علينا حقاً التعلم من إفريقيا؟
ما هي القيم الإنسانية؟
تُعرف القيم الإنسانية على أنها الفضائل التي تُوجه الإنسان إلى مُراعاة العنصر البشري عندما يتفاعل مع أشخاص آخرين، وتُعرف القيم أيضاً بأنها عبارة عن أهداف الإنسان المرغوبة التي تكون فعّالة من خلال مواقفه، ومُرتبة حسب أهميتها له، وتوجه الإنسان نحو اختياراته، وتُقيم سلوكه.
وتلعب هذه القيم دوراً مهماً في مختلف مراحل حياة الإنسان، حيث يكون تأثيرها كبيراً على سلوكياته التي تعكس ما يؤمن به من مبادئ وأفكار، فإن سمت انتقل الفرد من المنفعة الفردية إلى المنفعة الجمعية!
الأوبونتو
ما هو الأوبونتو؟
هي ثقافة تصف علاقة الفرد بالمجتمع، وفلسفة قائمة بحد ذاتها في إفريقيا تحدد شكل العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع، وتصف طريقة رؤيتنا للعالم والانطلاق لهويتنا الفردية من الهوية الجمعية.
من أهم القواعد التي تتبناها فلسفة الأوبونتو “أنا بخير لأنك بخير”، لأنها تدعم ترابطنا مع الآخرين ضمن المنظومة الواحدة وتتحدث عن تأثيرنا وتأثرنا بهم.
أما لغةً: كلمة UBUNTU أوبونتو هي مزيج من كلمتي NTU والتي تعني المرء، وكلمة UBU بمعنى تصبح، وبفهم المعنى ( كن فردا من المجتمع )
ارتباط الأوبونتو بالقيم الإنسانية
وصف Desmond Tutu الشخص الذي يتبنى فلسفة الأوبونتو أنه منفتح ومتاح للآخرين، مهتم ويؤكد على غيره من الأفراد، لا يشعر بالتهديد من أن الآخرين قادرون وجيدون لأنه لديه تأكيداً ذاتياً مناسباً يأتي من معرفة أنه ينتمي إلى شيء أكبر ويتضاءل هذا الشيء عندما يتم إهانة الآخرين أو تقليصهم.
وتتبع هذه الرؤية للأوبونتو من تقديرنا للاختلاف وما نحمله من قيم إنسانية كالإنصاف والعدالة والمساواة والكرامة، وإيماننا بأننا قادرين على العيش بسلام عندما تكون كرامة الآخرين مصانة.
كما أننا كقادة مجتمعيين من خلال سعينا للتغيير نحو الأفضل فإننا دائماً ما نركز على الانطلاق من إيماننا بالآخر وفخرنا بنجاحاته وموارده والبناء عليها لتحقيق تغيير مجتمعي، وهذا ما يرسخ فعلياً قيمة الأوبونتو وارتباط وجودي من مشاركة الآخر.
حيث تتناقص فلسفة الأوبونتو بشكلها مع فكرة الاكتفاء الذاتي، وتتجلى بالإيمان بإنسانية مشتركة ومترابطة، والرفاه الفردي الذي يرتبط ارتباطاً وثيقة برفاهية وسعادة الآخرين. فجوهر الأوبونتو هو أن تكون إنساناً.
الأوبونتو في ثقافتنا المحلية
يحمل الأوبونتو شعار “أنا بخير لأنك بخير”، “أنا موجود لأنك موجود” وأيضاً “أنا ما أنا عليه لأنك أنت ما أنت عليه”.
وهي ترجمات لعبارات اشتقت من لغتها الأصلية ولكنها وإن كانت غريبة بعض الشيء في سياقها ولكن المعنى يبقى مرتبطاً بالإنسانية وهو روح الأوبونتو وجوهره.
وكثيراً ما نسمع في ذاكرة تراثنا اللامادي الكثير من الأمثال الشعبية ومنها “إذا جاري بخير أنا بخير”، و”الله وصى بسابع جار”. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ارتباط الأوبونتو بالقيم الإنسانية المثلى، حيث نجده أيضاً في بعض المواقف والسلوكيات التي تمتاز بها مجتمعاتنا، ومنها الفزعة التي نشعر بها حين يكون أحد الأشخاص بحاجة لمبلغ مالي أو مساعدة ما ونلاحظ أن جميع من حوله يحاولون تقديم المساعدة على الرغم أن هذه المشكلة لا تعنيهم.
هذه الرغبة تأتي من شعورهم بالمسؤولية تجاه المجتمع وإيمانهم أنهم إذا احتاجوا يد العون يوماً ما فسوف يجدون حولهم أفراداً جاهزين لتقديم المساعدة أيضاً.
ومن أجمل المواقف التي نتذكرها وتشعرنا بالدفء والحميمية “سكبة رمضان” المنتشرة بشكل واسع في الوطن العربي والتي تحفز الأشخاص على مساعدة الجيران بتقديم أي صنف طعام متوفر ومعد في المنزل.
فثقافة الأوبونتو متجذرة في تاريخنا وعاداتنا بعمق، ونسقيها دوماً بإنسانيتنا ووعينا الذي يتسع كل يوم بانفتاحنا على قصص التغيير بالعالم المبنية على قيم الإنسانية الساعية لإحلال السلام في العالم، خصوصاً مع تزايد روابطنا اليوم بما حققته الانفتاح عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
فهل سيكون هذا التواصل هو بوابتنا للعبور نحو بناء السلام؟
"الأوبونتو هي طريقة للتواجد في هذا العالم. إنها كلمة تلخص الجوهر الحقيقي لما يجب أن يكون عليه الإنسان". ترتبط إنسانيتي ارتباطًا وثيقًا بإنسانيتك، وبالتالي فأنا إنسان لأنني أنتمي وأشارك في الوجود وفي المجتمع. أنت وأنا خلقنا من أجل الاعتماد المتبادل أن نكمّل بعضنا البعض".
Desmond Tutu Tweet
تأثير التواصل الاجتماعي على قيمة الإنسانية
كلنا بكينا على ريان المغربي في حادثة البئر الشهيرة، وشاركنا حملات تتبع التريندات في الدعوة إلى لبس الكمامات أثناء جائحة كورونا كوفيد – 19، وفي الواقع هذه الجائحة أظهرت قيمنا وترابطنا مع الآخرين بشكل أوضح خاصة عندما كانت الدول تعلن عن انخفاض عدد الإصابات فتنتشر حالة من التفاؤل أن هذا الانخفاض سيصل لبلادنا حتماً انطلاقاً من التأثير والتأثر.
وشجعنا التحديات التي انتشرت على أوسع نطاق كتحدي دلو الثلج الذي انتشر على نطاق واسع وشارك به العديد من الأفراد والجهات العاملة في المجال الإنساني وحتى المشاهير. يهدف هذا التحدي إلى جمع التبرعات وزيادة الوعي حول مرض “التصلب العضلي الجانبي”. حيث حقق التحدي انتشاراً ونجاحاً كبيرين في جمع مبالغ ضخمة لعلاج هذا المرض.
ومن إحدى هذه الحوادث المؤسفة أيضاً “حادثة تفجير مرفأ بيروت”. تسببت هذه الحادثة بضرر كبير جداً على مستوى الاقتصاد والبناء وحتى مستوى الأفراد.
حينها قامت عائلات كثيرة بتقديم منازلها للعائلات المتضررة للسكن فيها، كما قام أشخاص آخرون بتقديم منازلهم كملاذ واستراحة للمتطوعين القادمين من خارج بيروت الذين بدورهم أيضاً كانوا يقدمون المساعدة للأفراد المتضررة جراء الانفجار الذي حدث. هؤلاء الأشخاص جميعاً لم يكونوا متضررين ومنهم من كان من خارج بيروت، رغم ذلك استجابوا وشعروا أنهم معنيين بشكل أو بآخر وأن لديهم مسؤولية كافية لمساعدة كل من تضرر لتجاوز المحنة التي تواجه بلد بأكمله.
في ذات الوقت، شاهدنا التفاعل الكبير مع الحرائق المؤسفة التي حدثت في الأمازون أو مع حادثة موت الفيل وجنينها عندما تناولت فاكهة ملغمة.
في الواقع أننا في الأحداث السابقة كلها قد لا نكون من المتأثرين بشكل مباشر بنتائجها، ولكننا نتشارك معهم رابطاً لا ينفك ولا يمكن أن يتغير! وهو إنسانيتنا المشتركة.
أوصلت مواقع التواصل الاجتماعي والانفتاح الإعلامي الكبير خبر هذه الأحداث، ثم مست إنسانية كل مننا! وكونت عندنا الدوافع لأن نقدم “شيئاً” لنكون جزءاً من تغيير الواقع نحو الأفضل.
بعد عرض هذه الأمثلة من واقع حياتنا، هل تحدثت إلى نفسك كقائد مجتمعي، ما دافع تدخلك في الكثير من القضايا التي تحدث في المجتمع؟
بالتأكيد هو إحساس المسؤولية تجاه هذا المجتمع تجعلنا نتجه نحو العمل والتفكير المنظومي والتحري الإيجابي للبدء في الاستجابة لهذه القضايا.
وبإيماننا بإنسانية مجتمعاتنا وقيمها كقادة مجتمعيين، يجب أن نسأل أنفسنا سؤالين؟
الأول: كيف سيختلف شكل المجتمعات لو انطلقنا جميعاً من ثقافة الأوبونتو؟
الثاني: كيف يمكننا أن نستثمر وجود مواقع التواصل الاجتماعي في تدخلاتنا بعد أن لامسنا مدى تأثيرها على قضايانا؟
يجب أن ندرك تماماً أن القيمة من السلام تأتي من تشاركه مع الآخرين، فلا نستطيع العيش بسلام وحيدين كلَ منا بسلامه الخاص! وليقوم بنيان هذا السلام في المجتمعات لابد من أساس متين وقيمة نستند عليها تذكرنا أننا بخير لأن المجتمع بخير، ثم تترابط أجزاء هذه المجتمعات بالروابط البشرية التي تدفع البشر في التعاطف بقضاياهم في كل أصقاع الأرض ، وهذا ما قد تأخذ السوشال ميديا دور البطولة به إن استخدمناها كأداة للبناء ومدخلاً للتغيير الإيجابي القائم على أجمل ما عبرت عنه المجتمعات الإفريقية و تتشاركه البشرية و هو قيمة الإنسانية .