نستمع يومياً إلى العديد من المفاهيم والأفكار عن الجندر والنسوية وحقوق الإنسان، تُمطر علينا رسائل يومية عن غياب العدالة في التعامل.
لا تكسب النساء المال بشكل عادل، ومحكومات بتوقعات اجتماعية حول الجمال والجسد والعاطفة ولا يُعترف بإمكانياتهن كقائدات في المنزل والعمل أو حتى في المجتمع ومحصورات في الأدوار الرعائية فقط.
يرتاح معظم الرجال حين يشاهدون أو يستمعون لتحرّكات وأفكار وإجراءات عن تحسن حقوق الإنسان إلا أن معظمنا يشعر بالتهديد والتوتر لمجرد ذكر العدالة الجندرية أو أي إجراء يتخذ في المجتمع لسد أو تصغير فجوة في العدالة أو الحقوق الجندرية.
عندها يشعر بعض الرجال بالاتهام فوراً، ويأخذون موقفاً دفاعياً وأحياناً عدائياً تجاه النسوية وحقوق الجندر، لكن ما لا يعرفه الرجال أنهم مقموعون أيضاَ بالأعراف الجندرية، وببساطة لم نتعلم أو نتدرب على رؤيتها فكل ما تعلمناه عن ثقافة الجندر أن يخسر الرجال ما لديهم أو تربح النساء كل شيء.
قد يكون أكبر تحدٍ يواجه الرجال في عصرنا هذا هو القدرة على التغلب والتحرر من الأعراف والتنميطات السلبية المحيطة بالرجولة والأنوثة.
فلا يمكننا الاستمرار بالحياة الاجتماعية رجالاً أم نساء ما لم نعترف بالتغييرات الكبيرة الحاصلة في طبيعة التفاعلات والعلاقات الجندرية في المجتمع، حيث أصبح النوع الاجتماعي ظاهراً بكل ما فيه من أنماط وأعراف يلبسنا إياها المجتمع لتتأثر حقوقنا ومكاسبنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية نساءً ورجالاً.
على الرغم من أننا ندين للنساء بأنهن أظهرن الجندر في المجتمع بمطالبتهن بحقوقهن، إلا أن مصالح الرجال والنساء متماثلة في المجتمع، ومازال مفهوم الجندر خفياً بشكل كبير عن الرجال، لاعتقاد رسّخه المجتمع بأن الرجال سعداء ومحظيون بالوضع الحالي وأنهم يملكون الأفضلية والأحقية مما يجعل الرجل بأنه سعيد لا يشعر بالقهر ولا التقييد الذي تفرضه عليه أعراف المجتمع الجندرية.
لكن هل نحن سعداء فعلاً كرجال؟ هل نستطيع تحمل أعباء الحياة واستمرار الفجوات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بيننا وبين النساء؟
لماذا نسبة الانتحار الأكبر في العالم هي عند الذكور بحسب منظمة الصحة العالمية؟ ولماذا يضطر الرجال ليكونوا وقوداً للحروب والصراعات والنزاعات الاجتماعية والاقتصادية التي تطورت لتصبح حروباً مسلحة تطحن الحياة؟
قضايا الجندر
جميع القضايا التي أثارتها حقوق الجندر هي في صالح الرجال أيضاً وبما أن حياة النساء تتغير بشكل جذري في المجتمعات علينا أن نسأل أنفسنا ما الذي يتغير أيضاً في حياة الرجال؟
يناقش الباحث الاجتماعي وخبير الجندر ومؤسس مركز دراسات الرجال ميشيل كوفمان في كتابه دليل الرجل حول النسوية كيف أن قضايا العدالة الجندرية مفيدة وضرورة للرجال وأن أحد الحلول أن يرى الرجال أهمية الجندر في حياتهم أيضأ.
وفيما يلي بعض قضايا الجندر المذكورة في الكتاب وكيف يستفيد الرجال من دعمها والمطالبة بها لأنفسهم وللنساء معاً في المجتمع.
أولاً: الاستقلالية
لعل الاستقلالية هي بوصلة مطالب النسويات وهي الأساس الذي بدأت فيه الحركات التي طالبت بتحسين فرص النساء في المجتمع منذ الخمسينات لكن الاستقلالية مهمة جداً للرجال بل إن استقلالية النساء تجعل حياة الرجال أجمل!
“يؤمن الرجال الداعمون أن النساء يجب أن ينلن استقلاليتهم لأنهم يؤمنون بحق الإنسان في صناعة خياراتهم الخاصة بحياتهم، الرجال يهتمون بحياة النساء في حياتهن ويرغبون بأن تكون زوجاتهم وأمهاتهم وبناتهم وأخواتهم وصديقاتهم وحبيباتهم وزميلاتهم سعيدات، آمنات مرضيات في حياتهن كبشر بل إن ذلك سيفيدنا نحن الرجال أيضاَ فهو أكثر شعوراً بالرضا وبكل صراحة أكثر متعة، أن يعيش الرجل مع نساء مستقلات وقويات لا عاجزات ولا مستضعفات الأمر الذي يخفف علينا كرجال الكثير من أعباء السيطرة والإدارة ويريحنا من عبء اتخاذ القرارات جميعها، وأن نكون المعيلين لوحدنا حلالي المشكلات بمفردنا.”
ثانياً: الجمال
“معظم الرجال ينجذبون للنساء الجميلات ولا ننكر ذلك كرجال، المشكلة تظهر عندما تشعر المرأة بأن مظهرها الخارجي والجسدي أكثر أهمية من فكرها ومهاراتها وشخصيتها وتظهر عندما يقال للفتاة لا تقلقي، أنت جميلة لا تحتاجين تلك المهارة أو ذلك التعليم”.
يعزز ذلك وابل من رسائل الدعايات والمبيعات لمستحضرات التجميل وصناعة الحمية والعمليات التجميلية وصيحات الموضة التي لا تهدأ ولا تثبت من بلد لآخر ولا من عام لآخر، بل تختلف بين زمن وزمن، فالمرأة الجميلة في الستينات غيرها في السبيعينيات والثمانينيات… ومن تعتبر جميلة الجسد في بلد قد لا تكون جميلة في بلد آخر فنصف النساء لا يشعرن بالراحة أو السعادة حول شكلهن أو جسدهن بدءاً من عمر الثالثة عشرة.
أيضاً يتعرض الرجال للمعاملة نفسها تجاه الجسد! ففي وضع الرجال تتعلق المعايير بأي مدى يبدو الجسد ممشوقاً مفتول العضلات، عريض المنكبين خال من الدهون مع شعر جميل ولحية كثيفة غزيرة.
بدأ الرجال يغزون النوادي الرياضية ويقومون بالعمليات التجميلية المتعلقة بزراعة الشعر ونحت العضلات ومعيار الجمال الرجولي هو تصور أسطوري لشكل الجسد يشبه تماثيل الآلهة اليونانية حتى أنه بات يوجد علامات تجارية لمكياج خاص بالرجال وانعكس ذلك على الصحة النفسية للرجال ليتحول إلى عقدة يسميها علماء النفس عقدة أدونيس.
ولا يعني ذلك أن نصبح في مكان لا نقدّر فيه جمال وشكل الجسد للرجال والنساء ولكن يمكننا سوية رجالاً ونساء استثمار المطالبات للتفكير بأجساد صحية شكلاً وذهناً وتوظيف مواردها في حياة أفضل دون الغرق في تفاصيل الاكتئاب واضطرابات الطعام وأحكام الشكل الخارجي، والانسياق وراء سيولة الاستهلاك.
بالتأكيد يستفيد جميع الرجال إن لم يكن عامل الجمال الوحيد هو شكل الجسد فكلنا جميلين وجميلات بأعين أحد ما.
ثالثاً: التحرش الجنسي
على الرغم من التحسن في بيئات العمل تجاه التعامل بين النساء والرجال ماتزال مشكلة التحرش الجنسي واقعاً في معظم بلدان العالم على اختلاف موقعها على مؤشر المساواة الجندرية ولم تفلح كل الجهود في إزالة هذه المشكلة على الرغم من إضافة إجراءات وقوانين وسياسات لمواجهتها، وأصبحت تؤثر على بيئة العمل والشارع والحياة الافتراضية، على الجنسين فالكثير من الرجال والنساء مرتبكون تجاه ما هو مسموح أو غير مسموح في بيئة العمل وخارجها من سلوكيات.
حيث يذهب الكثير من الرجال إلى العمل شاعرين وكأنهم يعملون فوق لوح زجاجي مهشم، يتبع بعض الرجال وصفة يجدونها مريحة فيتعاملون مع زميلاتهم كما يحبون أن يتعامل الرجال الآخرون مع أمهاتهم أو زوجاتهم أو بناتهم، فالجميع يستحق بيئة عمل مرحبة وغير عدائية خالية من الإيذاء تحفز الإبداع والانتاجية وهي أهداف إرشادات ومعايير التعامل والحد من التحرش في بيئة العمل.”
هذا الاهتمام ببيئة العمل والحد من التحرش هو فائدة أخرى يستفيدها الرجال في بيئة العمل فتطبيق هذه الإرشادات على الجميع رجالاً ونساء تحول بيئة العمل إلى بيئة خالية من الإزعاج أو الإيذاء أو التنمر بين الرجال والنساء والرجال والرجال والنساء والنساء ليصبح لدينا جميعاً بيئة عمل مريحة.
رابعاً: أعباء المنزل
نعم فبسبب حقوق الجندر والنسوية أصبح على الرجال أيضاً أن يقوموا بأعمال التنظيف والمسح والكنس والطبخ!
في الحقيقة أعباء المنزل هي عمل كامل ومضنٍ، يتطلب جهوداً عضلية وذهنية مثل أي عمل وليس ممتعاً أو محبباً دوماً، ويصف الرجال بأنهم منفتحين ومتحررين عندما يساعدون أو يبادرون للمساعدة في أعمال المنزل، التي قد تعتبر مهناً كاملة مربحة خارج المنزل.
لكن نظرتنا لأعمال المنزل يجب أن تتغير لتصبح المشاركة في أعمال المنزل كما تغير واقع الأعمال خارج المنزل وأصبح من المحبذ مشاركة النساء فيها، وأنه ليس من العدل تجاه الرجال أن يفقدوا متعة العناية والرعاية بأنفسهم وبأحباءهم.
يتذكر الكثيرون والدتهم المتواجدة دوماً مُقدمة لخدمات الرعاية والحب أكثر مما يتذكرون والدهم الجالس أمام شاشة التلفاز أو الغائب دوماً عن المنزل، ولربما اليوم لم يعد يرغب الرجال بتخليد هذه الذكرى لدى أولادهم.
والأمر يتعدى مشاركة الزوج ليصل إلى تعليم الأولاد، فالقيام بتنظيم وترتيب حاجياتهم، والاهتمام بأنفسهم هو شكل من أشكال الاستقلالية التي يسعى الرجال للحفاظ عليها، وتغير الحياة يفرض على الرجال والنساء تعلم هذه المهارات فالرجال والنساء يعيشون فترات عازبين أكثر من متزوجين ويقضون داخل وخارج المنزل أوقاتاً مختلفة.
والمكسب الأكبر للرجال من المشاركة في أعباء المنزل أنهم سيكونون أكثر سعادة وتواصلاً مع شريكاتهم وأكثر تقديراً من أطفالهم، وستكون صحتهم أفضل لأنهم يعتنون بذواتهم بالطريقة الأفضل لهم، كما أنه من مصلحة جميع الرجال الحفاظ على صحة وحماس زوجاتهن ليكون لدى الرجال والنساء وقتاً أكبر للحياة الزوجية والتواصل وللصحة، لذلك ربما من الصحي اليوم أن يكون الزوج مشاركاً فعالاً في المنزل، لا مساعداً وكأن البديهي قيام المرأة بهذه الأعباء وحدها.
خامساً: عدالة فرص العمل
تتغير بيئة العمل وفرص العمل حولنا باستمرار ولا يخفى أن معظم فرضيات توزيع فرص العمل السابقة قد تبدلت ولم يعد فقط الجهد العضلي هو المقيّم للعمل على الرغم من أنه مازال محسوباً بقوة، لكن الجهد العضلي في العمل ليس للرجال فقط.
الكثير من النساء يعملن في المصانع والحقول، يبذلن جهداً عضلياً مثلهم مثل من يوازونهم من الرجال، خاصة مع تطور التكنولوجيا أصبح للجهد الذهني قياس أفضل في عصر العمل عن بعد.
وفي ظل الواقع الاقتصادي المعاش يرحب الرجال بجهود النساء للوصول إلى العدالة في فرص العمل هذه الأيام العائلات اليوم تحتاج لدخلين جيدين.
كما أن بيئة عمل شاملة للنساء والرجال توسع الكعكة الاقتصادية في هذه الأوقات المتغيرة، فالنساء عندما يجلبن منظوراً مختلفاً إلى العمل والتشارك بأعباء الدخل هو أمر صحي، يفرضه المنطق ويطمح الرجال لتعليمه لبناتهم وأخواتهم لتخف عليهم أعباء الإعالة في بيئة اقتصادية غير ثابتة.
سادساً: التقاطعية
تركز التقاطعية بشكل أساسي على أنه لا يمكننا أن نعمم هويات وتجارب الناس، فليست تجارب النساء كلها واحدة وما تفضله أو تعيشه أو تعاني منه إمرأة بيضاء أوروبية غير ما تفضله وتعيشه أو تعانيه امرأة شرق أوسطية أو مسلمة أو سوداء.
فالتقاطعية لا تكتفي بالنوع الاجتماعي أو التمييز المتعلق بالنوع الاجتماعي كمصدر للمعاناة، وإنما تتطلع إلى مصادر المعاناة الأخرى التي تتقاطع لتشكل بنية تكون فيها الطبقة الاجتماعية والنوع الاجتماعي والعرق وغيرها من مصادر التمييز أو العنف أو الأحقية.
ولا تتماثل كل النساء، النساء الريفيات غير المدينيات ومصادر التمييز متعددة تتقاطع لتكوّن تجربة ومعاناة كل فرد تقاطعاً متعلقاً بجميع هوياته الاجتماعية والجندرية والاقتصادية والثقافية فليس هناك مصدر عام واحد للتمييز ولا شكل واحد عام للامتيازات والأحقية.
التقاطعية مصلحة للرجال أيضاً، فليس كل الرجال بيض من الطبقة الوسطى أو الثرية ولا يعيش جميعهم كمدراء شركات أو أصحاب نفوذ وسلطة سياسية، فعندما نفكر بالتقاطعية نجدها أكثر أهمية حيث تمكننا جميعاً رجالاً ونساء من رؤية هوياتنا بكل أجزاءها وتنوعاتها، وتُحرر الرجال من التعميم وحالة الذنب.
سابعاً: التحالف
الرجال حلفاء للنساء والنساء حلفاء للرجال ولا يقتصر التحالف مع النساء على رحلة تحسين ظروف الحياة وتوسيع فرص الحقوق للنساء والرجال من باب الإحساس بالذنب وإنما كفعل إنساني، وواجب محق وبديهي.
مصالح الرجال والنساء مشتركة والاهتمامات الإنسانية واحدة ولا يمكن لمجتمع أن ينهض إلا بنهوض الرجال والنساء فيه لذلك هذا التحالف مهم لتحقيق العدالة والمساواة، والحياة الصحية للاستمرار بشكل أفضل.