قد يكون هذا هو العنوان الرئيسي لقصة تتكشف داخل العديد من المجتمعات في جميع أنحاء العالم، غالبًا ما تجد الصور النمطية المحيطة بالنساء والرجال طريقها إلى الروايات التي تقدمها وسائل الإعلام ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي رحلتنا عبر النسيج المعقد للثقافات والمجتمعات حول العالم، من الشوارع النابضة بالحياة في المدن العظيمة إلى الهدوء العميق للقرى النائية، تبرز الصور النمطية حول النساء والرجال كخيوط متشابكة في الحكايات التي ترويها وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
كما في قصة تلك الجدة التي كانت تمسك بغصن الزيتون، رمز السلام والأمل، في وجه الخلافات، لطالما تم تقديم النساء في صورة تغلب عليها العاطفة والحنان.
هذه الصورة، مع أنها تعكس خصال الرعاية والتعاطف التي غالباً ما تُنسب إلى النساء، إلا أنها قد تحد من إمكانياتهن برسمهن ضمن إطار أدوار تقليدية محدودة. في المقابل، غالباً ما يُصور الرجال ليعكسوا القوة والاستقلالية والثقة بالنفس، مع التركيز على الصفات التقليدية مثل الشجاعة، القوة البدنية، والقدرة على القيادة. وفي ظل تطور وسائل الإعلام وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي، يطرح السؤال نفسه بإلحاح: هل شهدنا تغييراً ملموساً في هذه الصور النمطية المتعلقة بالمرأة والرجل؟
وهل ستتغير هذه الصورة عن المرأة والرجل مع زيادة وسائل الاتصال سواء في الإعلام الخاص أو على شبكات التواصل الاجتماعي؟
الصور النمطية.. بشكل عام وفي وسائل الإعلام بشكل خاص؟
الصور النمطية هي مجموعة من الافتراضات المسبقة والمبسطة التي يتم تطبيقها على جميع أفراد مجموعة معينة، دون الأخذ في الاعتبار التفرد والتنوع داخل هذه المجموعة.
هذه الافتراضات يمكن أن تكون إيجابية أو سلبية، لكنها في الغالب تكون غير دقيقة ويمكن أن تؤدي إلى فهم خاطئ وتقييم غير عادل للأشخاص بناءً على الانتماء العرقي، الجنس، الدين، الجنسية، الطبقة الاجتماعية، العمر، الإعاقة، أو أي معيار آخر للتصنيف.
"أن معالجة موضوع صورة المرأة في وسائل الاعلام تبدو معالجة محدودة جداً في الاعلام، حيث تظهر تلك الوسائل أن نشاطات المرأة واهتماماتها لا تتعدى حدود العائلة والبيت، ومن صفاتها الجوهرية أنها تابعة ورومنسية، وإن أكثر قيمة تروج لها وسائل الاعلام وتتعلق بالمرأة هي إن معظمهن وقضايا هن تافهة لا تستحق الالتفات اليها، ويتم استغلالهن في الاعلانات من الناحيتين الجسمية والجنسية…وإن وسائل الاعلام لا تؤثر على الصورة الاجتماعية للمرأة فحسب، بل تؤثر على صورة المرأة لذاتها وتساعدها على خلق صورة مشوهة لنفسها، ومعظم النساء لا ينتقدن موقف وسائل الاعلام المضاد لهن، مع أنها تؤثر في تنشئتهن الاجتماعية، وفي اختيار ملابسهن وسلوكهن، وتعلمهن وأحلامهن وطموحاتهن." من رسالة دكتوراه بعنوان "صورة المرأة السورية في دراما التلفزيون السوري"
د.يسرى زريقة Tweet
إن الصور النمطية في وسائل الإعلام ليست ظاهرة جديدة، وهي موجودة منذ الأيام الأولى لوسائل الإعلام المطبوعة.
ومن الرسوم الكاريكاتورية لليهود في الصحف إلى تصوير المرأة على أنها أقل شأنا وخاضعة في المجلات، لعبت وسائل الإعلام دوراً هاما في تعزيز الصور النمطية السلبية.
وفي كتاب
الإعلام والنشء: تأثير وسائل الإعلام عبر مراحل النمو لستيفن جيه كيرش قيل:
“ومالت سمات الشخصية التي جسَّدها الذكور والإناث في الإعلانات المخصَّصة للأطفال والمراهقين للاتفاق مع الصور النمطية؛ إذ لم يقتصر الأمر على تقديم الذكور والإناث بشكل مختلف في الإعلانات، بل اختلف تكوين الإعلانات باختلاف نوع المُستهلِك المستهدَف. فتضمَّنت إعلانات المنتجات المروِّجة للصبية على الموسيقى الصاخبة والأنشطة الحيوية والانتقال السريع من مشهَد لآخر. وفي المقابل، استخدمت الإعلانات الموجهة للإناث الموسيقى الرقيقة والإيقاع الهادئ واللطيف (جونتر وأوتس وبليدز”
وتكمن قوة التنميط في وسائل الإعلام في قدرتها على خلق تصور معين لمجموعة من الأفراد يصعب تغييره.
تظهر وسائل الإعلام صور مسبقة وثابتة للأفراد والجماعات وتكون عبارة عن عملية تؤثر على تصور الناس لكيفية النظر والتصرف تجاه الأخرين.
ومن سوء الحظ أن كثير منا يؤمن على نحو شبه أعمى بما يرى أو يسمع.
في عالمنا اليوم، تلعب وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي دور مهم في تشكيل معتقداتنا ومواقفنا تجاه أدوار وهويات المرأة والرجل.
ورغم أنها توفر فرصًا للتعبير عن الذات وبناء المجتمع، تعمل أيضًا بمثابة أرض خصبة للقوالب النمطية الجنسانية والمعايير غير الواقعية.
ايضاً غالبًا ما يقوم المؤثرون والمشاهير برعاية صور مصممة بعناية تتوافق مع المُثُل التقليدية للجمال والذكورة، مما يؤدي إلى إدامة معايير بعيدة المنال تجعل الأفراد يشعرون بعدم الكفاءة أو عدم الأمان
القوالب النمطية للمرأة والرجل.. وأدوارها؟
دائماً ما كان تصوير المرأة في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مقتصراً على القوالب النمطية والتي حددت أدوارها بالنماذج الأولية الضيقة.
من ربة المنزل الخاضعة والزوجة المطيعة إلى موضوع الرغبة المفرطة.
مثلاً تم تصوير النساء في أغلب الأحيان كأدوات وأشياء للزينة مما يأكد على الفكرة الأساسية التي تصور المرأة في مظهرها الجسدي ودورها في المنزل الذي لم يتجاوز تصويرها على أنها ربة منزل تعد الطعام والقهوة وتهتم بتربية أبنائها.
“كما أوضحت الدراسة صورة أخرى للمرأة تظهرها في أقصى تقليديتها، أي المرأة التي لا تنشغل سوى بأعمال المنزل ورعاية شؤون الزوج والأبناء، والمرأة الغير مستقلة إقتصاديا التابعة للرجل، كما ظهرت صورة المرأة التي تدافع عن تبعيتها، فتتبنى فكرة استعبادها معتبرة أن الصورة إنما هي جزء لا يتجزأ من طبيعتها الأنثوية “3
من كتاب الصورة تطلع وحشة – عزة كامل ونولة درويش
وبالمقابل يتم تصوير الرجال في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من خلال عدسة الرجولة التقليدية، والتي تمتاز بصفات محددة مثل القوة والهيمنة.
وهذه القوالب تظهر تفوق الذكور وقدرتهم على القهر وأيضاً تعتبر العاطفة المفرطة لديهم والحساسية من علامات الضعف.
بالإضافة انه يمنع الذكور من طلب الدعم أو التعبير عن مشاعرهم علناً.
مقاومة التحديات وكسر القوالب.. مقاومة الصور النمطية
وسط هذه التحديات، هناك أيضًا حركة متنامية لتحدي وتخريب الصور النمطية للنساء والرجال في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
ومن النشاط الشعبي إلى مبادرات الشركات، هناك جهود متضافرة لتعزيز التنوع والتمثيل والشمولية.
فمثلاً تسعى حملات مثل #HeForShe إلى تضخيم الأصوات المهمشة، وتحدي المعايير الجنسانية، وتعزيز تصوير أكثر إيجابية وأصالة للنساء والرجال.
هذا إضافة للحملات والمنظمات التي تبرز في كسر النمطية والتحرر منها وتعزيز دور النساء كفاعلات في مجتمعاتهم.
وتشدد العضو في منظمة النساء الآن على أن “المرأة اليوم موجودة ضمن المجالس المحلية بالغوطة الشرقية أو بالشمال السوري، اليوم المرأة السورية، نتيجة تبادل أدوار الجندرية وغياب الرجل لأسباب مختلفة، انخرطت في مجال العمل، وهي موجودة في مجال التعليم والصحة، اليوم المرأة تلتحق بالورشات التي تقيمها منظمات المجتمع المدني، اليوم الطالبات يتنقلن ويسافرن من منطقة لأخرى كي يلتحقن بالجامعات الموجودة ضمن المناطق المحررة”
“أفادت جميع البلدان التي يتناولها التقرير عن وجود حملات، يرتبط أغلبها بالحملة العالمية التي تمتد على مدار 16 يوم وتستهدف القضاء على العنف ضد المرأة. في مصر والأردن ولبنان ينفذ هذه الحملات الجهاز الوطني المعني بالمرأة المجلس القومي للمرأة NCW، واللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة JNCW، والهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية NCLW على الترتيب. في الجزائر والمغرب وفلسطين وتونس تنظم وزارات شؤون المرأة هذه الحملات. وتشترك منظمات المجتمع المدني في الحملات في جميع البلدان التي يتناولها المؤشر”
علاوة على ذلك، يستفيد الأفراد بشكل متزايد من وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة للتعبير عن الذات، وتحدي الصور النمطية وإعادة تشكيل الروايات الثقافية. من أصحاب النفوذ الإيجابيين الذين يتحدون معايير الجمال إلى الحلفاء الذكور الذين يدافعون عن الضعف العاطفي، هناك موجة كبيرة من المقاومة ضد المعايير الجنسانية التقييدية.
ومن خلال مشاركة القصص الشخصية، وتضخيم الأصوات المتنوعة، والكشف عن التمثيلات الضارة، يمكن للأفراد المساهمة في خلق مشهد إعلامي أكثر شمولاً وإنصافًا.
تشير جيرالدين ناسون، رئيسة لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع النساء إلى الظلم الذي تعرضت له العديد من النساء في مجالات العلوم:
“هناك أمثلة على جحافل من العلماء النساء عبر التاريخ اللواتي قمن باكتشافات علمية مهمة جدًا، ولكن وبصراحة، فقد عزيت هذه الاكتشافات في بعض الحالات إلى أزواجهن وفي كثير من الحالات إلى زملائهن الذكور.”
يمكن لوسائل الإعلام أن تصبح أداة قوية للتغيير الاجتماعي، يمكن لمبادرات مثل التدريب على التنوع، والتمثيل الشامل، والسرد الواعي للقصص أن تساعد في كسر الحواجز وإنشاء روايات أكثر واقعية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك وعي متزايد بين العاملين في مجال الإعلام ومنشئي المحتوى حول مسؤوليتهم لتعزيز المساواة والتمثيل بين الجنسين.
ومن خلال دمج وجهات نظر متنوعة، وتحدي الصور النمطية، وتمكين الأصوات المهمشة.
ماذا يمكننا أن نفعل لمكافحة الصور النمطية؟
في مواجهة الصور النمطية، التي غالبًا ما تنسج خيوطها في نسيج حياتنا اليومية عبر الثقافات والمجتمعات، يبرز السؤال الحتمي: ما الذي يمكننا فعله لمقاومة هذه الأفكار المسبقة وبناء عالم يحتفي بالتنوع والتفرد؟ الإجابة تكمن في مجموعة من الإجراءات الواعية و المتعمدة التي تشكل مسارًا نحو التغيير
هناك العديد من الأشياء التي يمكننا القيام بها لمكافحة القوالب النمطية.
أولاً، يمكننا تثقيف أنفسنا حول الآثار الضارة للصور النمطية والعمل على تحدي تحيزاتنا.
ويمكننا التحدث علناً ضد الصور النمطية عندما نراها في وسائل الإعلام أو في حياتنا اليومية. بالإضافة إلى أنه يمكننا دعم وسائل الإعلام التي تشجع التنوع و تتحدى الصور النمطية.
ثانيًا، يتطلب الأمر نقدًا نشطًا لوسائل الإعلام. في عالم يتزايد فيه تأثير الصور والرسائل الإعلامية، يصبح التحليل النقدي للمحتوى الذي نستهلكه ضروريًا. من خلال تحدي الصور النمطية والتعبير عن رفضنا للمحتوى الذي يعززها، نساهم في خلق طلب على تمثيل أكثر تنوعًا وواقعية.
ثالثًا، الدعوة والتغيير المؤسسي يلعبان دورًا حاسمًا. إن العمل مع المؤسسات والشركات لتبني سياسات وممارسات تعزز التنوع والشمولية يمكن أن يغير السرد بطرق مؤثرة. من خلال دعم الحملات التي تهدف إلى تغيير كيفية تمثيل المجموعات المتنوعة في الإعلام، نسهم في بناء مجتمعات أكثر تقبلًا وفهمًا.
أيضاً أن محو الأمية الإعلامية كحل هو بالغ الأهمية حيث إن المعرفة الإعلامية، أو القدرة على التحليل النقدي للرسائل الإعلامية، أمر بالغ الأهمية في مكافحة الصور النمطية.
أخيرًا، بناء الفهم والتعاطف من خلال التجارب الشخصية والمجتمعية يساعد في تعزيز الروابط الإنسانية. من خلال الاستماع والتعلم من تجارب الآخرين، نكتشف القوة في قصصنا المشتركة والفريدة على حد سواء.
في الختام!
في خضم عالم متزايد التعقيد والتنوع، تقف الصور النمطية للمرأة والرجل في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كشواهد على الماضي وتحديات تستوجب العبور نحو مستقبل أكثر إنصافًا وتمثيلاً.
مثل غصن الزيتون الذي تمدّه جدتي، يحمل كل منا القدرة على إيجاد السلام والسعادة من خلال التفاهم والتعاطف، متجاوزين الحدود التي ترسمها الصور النمطية القديمة.
إن الوعي المتزايد بتأثيرات هذه الصور النمطية على الصحة النفسية والاجتماعية يؤكد على ضرورة العمل المستمر لتحدي وإعادة تشكيل الروايات التي تقدمها وسائل الإعلام.
المسؤولية مشتركة بين صنّاع الإعلام، المؤثرين، والجمهور لبناء مجتمعات تعكس الواقع المتنوع للهويات الإنسانية، بعيدًا عن القوالب النمطية المقيدة
في النهاية، الطريق نحو كسر الصور النمطية وبناء مجتمعات أكثر شمولية وتقبلاً لا يزال طويلاً، لكن كل خطوة في هذا الاتجاه تمثل تقدمًا نحو عالم يعزز القوة والصمود، حيث تتلاقى أنغام النساء والرجال في سيمفونية متناغمة تحتفي بالتنوع والتميز الإنساني.
بالعمل معًا، يمكننا تحويل الصور النمطية إلى فرص للتعلم والنمو، مبشرين بفجر جديد من الفهم المتبادل والاحترام.