نظرات تائهة في عتمة مظلمة ليس لها أي معنى توتر متعب يزداد مع الوقت، مخاوف… أحلام… أفكار… لا حقيقة لها إلا أنها موجودة بشكل غريب بكامل سيطرتها ونفوذها دون معرفة مصدر قوتها هو عالم افتراضي نسمع عنه العديد من القصص التي تزداد خطراً كل يوم ليس له قبلة واحدة، وكأننا نرى الخطوة الأولى لنهاية العالم.
ليست مجرد أرقام أو احداث عابرة وإنما هي تجارب إنسانية حقيقة مؤلمة قد تستمر لسنين تستحق التوقف عندها هي عنف من نوع جديد يتكرر، يمتد كظلال داكنة يمس الأكثر ضعفاً لا زمان ولا مكان له.
هو جرم يخترق الأبواب الموصدة، دون وجود حارس أو رقيب، و لذا كان لابد من تسليط الضوء على هذه القضايا وما هي القوانين والإجراءات التي تعالج هذه الحالات وتتصدى لها والعمل على دعم وجود بيئة رقمية آمنة تعكس القيم الإنسانية وزيادة الوعي بهذا العالم الجديد الذي نخوض غماره مع ضمان وجود حماية أكثر فعالية للأفراد وتحقيق العدالة لهم وبينهم ومجتمعاتهم.
العنف الرقمي: ما هي أشكاله وآثاره؟
يعتبر العنف الرقمي نوعاً من أنواع العنف الذي يحدث عبر الوسائط الرقمية، مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
تتعدد أشكال العنف الرقمي، والتي أبرزها:
- التحرش الإلكتروني: يتمثل في إرسال رسائل مزعجة أو تصرفات غير مرغوب فيها عبر الإنترنت، مثل التعليقات الجارحة أو المتكررة. يمكن أن يؤدي هذا النوع من التحرش إلى تدهور الصحة النفسية للضحايا، مما يزيد من مستويات القلق والاكتئاب.
- التشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي: يشمل نشر معلومات كاذبة أو إساءة لشخص ما على منصات التواصل الاجتماعي. يعتبر هذا الفعل من أشد أنواع العنف الرقمي، حيث يمكن أن يترك أثراً طويل الأمد على سمعة الضحايا وعلاقاتهم الاجتماعية.
- التدمير الرقمي: يتضمن اختراق الحسابات الشخصية أو تدمير البيانات الشخصية عبر الإنترنت. تعتبر هذه الأفعال من جرائم الاختراق، ويمكن أن تتسبب في فقدان الضحايا للبيانات الهامة، مما يؤثر سلباً على حياتهم المهنية والشخصية.
- التهديدات عبر الإنترنت: تشمل إرسال تهديدات عبر الرسائل الإلكترونية أو وسائل التواصل الاجتماعي. يمكن أن تؤدي التهديدات المتكررة إلى خلق حالة من الخوف والقلق المستمر لدى الضحايا، مما يؤثر سلبًا على حياتهم اليومية.
أما عن الآثار السلبية للعنف الرقمي فهي كبيرة ومتنوعة، فهي لا تقتصر على الأذى الجسدي، بل تمتد لتشمل الأذى النفسي والاجتماعي. يعاني الضحايا من فقدان الثقة بالنفس، والعزلة الاجتماعية، وصعوبات في التفاعل مع الآخرين. في السياق السوري، يلزم القانون مزودي خدمات الإنترنت بالتعاون مع الجهات المختصة لكشف وملاحقة مرتكبي الجرائم الإلكترونية. لذا، من الضروري أن يكون هناك وعي كافٍ حول مخاطر العنف الرقمي، وأن تتخذ التدابير اللازمة لحماية أنفسنا والآخرين، مثل الإبلاغ عن حالات الإساءة أو التحرش الإلكتروني للجهات المعنية، وتجنب نشر المعلومات الشخصية على الإنترنت بشكل غير آمن.
ما هي العوامل المسببة لممارسة العنف الرقمي؟
تشهد المجتمعات اليوم انتشاراً متزايداً لمظاهر العنف الرقمي، وهي ظاهرة تتعدد أسبابها ودوافعها، هناك عدة عوامل قد تدفع الأشخاص لممارسة العنف الرقمي و التي أهمها:
- الخلافات والنزاعات الشخصية: قد يكون العنف الرقمي رد فعل على خلافات أو نزاعات شخصية سابقة بين الأفراد، حيث يستخدم الشخص التكنولوجيا كوسيلة للانتقام بطريقة يصعب تعقبها أو مواجهتها بشكل مباشر.
- السلبية أو الكراهية: يمكن أن يكون العنف الرقمي محفزاً بالكراهية أو التحيز ضد فئة معينة من الأفراد، سواء كان ذلك بناءً على الدين أو الجنس أو الانتماء العرقي أو السياسي. يتم تصنيف هذه الأفعال جرائم تحريض على الكراهية، ويشملها القانون في إطار جرائم التشهير والتحريض عبر الوسائل الإلكترونية.
- الرغبة في الانتقام عبر المجهولية: في كثير من الأحيان، يشعر مرتكبو الجرائم الإلكترونية بالأمان بسبب إمكانية إخفاء هويتهم عبر الإنترنت. هذا الشعور بالمجهولية يعطيهم شعورًا بالحرية لممارسة العنف الرقمي دون خوف من العقاب.
- التأثير السلبي للمجتمع: قد يكون العنف الرقمي نتيجة للتأثير السلبي للمجتمع أو البيئة المحيطة بالفرد، مثل الثقافة العامة التي تشجع على العنف أو التمييز، أو الضغط الاجتماعي للتصرف بطريقة عدوانية على الإنترنت. هذه الأفعال قد تكون ناتجة عن تأثر الفرد بما يراه أو يسمعه من وسائل الإعلام أو الشبكات الاجتماعية، وقد يتورط فيها دون إدراك كامل للعواقب القانونية إن فهم هذه العوامل المتعددة يعد خطوة مهمة نحو وضع استراتيجيات فعالة لمواجهة العنف الرقمي وحماية الأفراد والمجتمعات.
- ضعف تطبيق القوانين: حتى في وجود قوانين تحظر العنف الرقمي، قد يكون هناك ضعف في تطبيق هذه القوانين أو فجوات قانونية أو صعوبات في الإثبات والأدلة، مما يخلق شعورًا بعدم وجود عواقب مما يسهم في تفشي هذا النوع من العنف.
- الاحتيال الإلكتروني والابتزاز المالي والعاطفي: يسهل انتشار الإنترنت وسهولة الوصول إلى المعلومات إجراء عمليات النصب والاحتيال والسرقة عن طريق شبكة الانترنت بالإضافة إلى الحالات التي يتم فيها استغلال العلاقات العاطفية أو الاجتماعية لتهديد الضحايا، سواء عن طريق تهديدهم بنشر معلومات خاصة أو صور أو طلب أموال عن طريق ممارسة الضغط.
التشريعات العالمية ضد العنف الرقمي (درع الأمان المجتمعي)
يتطلب التصدي لهذا العنف تضافر جهود الدول عبر القوانين المتنوعة التي تهدف إلى حماية حقوق الأفراد في العالم الرقمي في المملكة المتحدة يُعَد قانون سوء استخدام الحاسوب لعام 1990 درعًا يحمي الأفراد من الدخول غير المشروع إلى أنظمة الكمبيوتر، حيث يجرم التلاعب بالبيانات ويعاقب عليه.
وفي سياق حماية الخصوصية، تقدم اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي أملًا جديدًا للأفراد، إذ تضمن حماية بياناتهم الشخصية ومنع استغلالها لأغراض ضارة.
وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، يتبنى قانون الجرائم الرقمية (CFAA) في الولايات المتحدة نهجًا صارمًا ضد الأنشطة الضارة، مع عقوبات تصل إلى 20 عامًا في السجن. بينما في كندا، يضمن قانون حماية الخصوصية والجرائم الإلكترونية (PIPEDA) حقوق الأفراد ويحمي بياناتهم من الاستخدام غير المشروع.
وليس بعيدًا، يساهم قانون تكنولوجيا المعلومات لعام 2000 في الهند في مكافحة التحرش والابتزاز الإلكتروني، يجسد عزم المجتمع على بناء بيئة آمنة للجميع. وفي أستراليا، يجرم قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2001 الأنشطة المشينة مثل التصيد الاحتيالي، مما يعكس التزام المجتمع بحماية أفراده.
أما في العالم العربي، فقد اتخذت عدة دول خطوات ملموسة لمواجهة هذه الظاهرة. في مصر، يجرم قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (175 لسنة 2018) نشر الأخبار الكاذبة والاعتداء على خصوصية الأفراد، وهو ما يعكس الحاجة الماسة لحماية الحقوق الفردية في عالم الإنترنت. وفي الإمارات العربية المتحدة، يُعاقب القانون على استخدام التكنولوجيا نشر معلومات كاذبة، مما يعكس حرص الدولة على تأمين بيئة رقمية صحية.
تحت هذا السقف، تتبنى السعودية نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية الذي يتصدى للتشهير والجرائم الرقمية، بينما يُجرم قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن أي اعتداءات عبر الإنترنت، ما يؤكد ضرورة تكاتف الجهود لحماية المجتمعات. وحتى في لبنان، يعكس قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2018 الجهود المبذولة لمواجهة التحديات الرقمية.
القانون السوري المتعلق بالعنف الرقمي
في سوريا، يعتبر المرسوم التشريعي رقم 17 لعام 2012 وتعديلاته بالقانون 20 لعام 2022 (قانون الجرائم المعلوماتية) الإطار القانوني الأساسي الذي ينظم مكافحة الجرائم الإلكترونية. يشمل هذا القانون عدداً من الجرائم المتعلقة بالعنف الرقمي، مثل نشر الأخبار الكاذبة، الاعتداء على الخصوصية، والتهديدات الرقمية. كما يجرم أفعالاً مثل الدخول غير المشروع إلى أنظمة المعلومات، واعتراض البيانات، وتصميم البرمجيات الخبيثة، إضافة إلى الجرائم المتعلقة بالاحتيال الإلكتروني والاستخدام غير المشروع لبطاقات الدفع.
القانون يضم 50 مادة يتناول طيفاً واسعاً من الجرائم الإلكترونية. من بين هذه الجرائم، نجد الدخول غير المشروع إلى الأنظمة المعلوماتية، واعتراض المعلومات، وتصميم واستخدام البرمجيات الخبيثة، إضافة إلى الاستعمال غير المشروع لبطاقات الدفع الإلكترونية. ويهدف القانون إلى الحد من الأنشطة الخبيثة التي تتم عبر الإنترنت والتي تهدد سلامة الأنظمة الإلكترونية والمعلوماتية في سوريا. كما تتضمن هذه التشريعات العقوبات الخاصة بجرائم مثل الاحتيال عبر الإنترنت، والقدح والذم الإلكتروني، والجرائم التي تمس الحشمة والحياء العام، والجرائم التي تستهدف الدستور وهيبة الدولة.
القانون لا يقتصر على الجرائم التقنية، بل يمتد ليشمل الجرائم التي تمس الحشمة والحياء، وجرائم الإساءة إلى الأديان، والجرائم الواقعة على الدستور وهيبة الدولة ومكانتها المالية. في هذا السياق، شدد القانون الجديد العقوبات المتعلقة بهذه الجرائم، إذ تصل العقوبات إلى السجن 15 عاماً وغرامات تصل إلى 15 مليون ليرة سورية، وهي غرامات لا تسقط حتى في حال صدور مراسيم عفو.
ورغم أن سوريا لديها بالفعل قوانين أخرى تعاقب على الجرائم المتعلقة بالنشر، سواء كانت مرئية، مسموعة، أو مطبوعة، وكذلك قوانين تجرم الابتزاز وانتهاك الخصوصية، فإن القانون الجديد يعد تشديداً إضافياً بقصد توفير حماية قانونية متقدمة لمكافحة الجرائم الإلكترونية.
ما هي أسباب تمنع الضحايا من الإبلاغ في المجتمع السوري؟ وما هي طرق الإبلاغ؟
هناك العديد من الأسباب التي تمنع ضحايا العنف الرقمي في سوريا من الإبلاغ عن الجرائم:
- الوصمة الاجتماعية: المخاوف من العار أو الانتقادات المجتمعية.
- الخوف من الانتقام: القلق من ردود فعل الجناة أو التأثير على حياتهم الشخصية.
- عدم الثقة في النظام القانوني: الشك في فعالية القانون في حماية الضحايا.
- الضغط الأسري والمجتمعي: الضغوط التي تمارسها الأسرة والمجتمع على الضحايا لتجنب الإبلاغ.
- نقص الوعي: قلة المعرفة بالحقوق القانونية والإجراءات وطرق تقديم الشكاوى تمنع بعض الضحايا من اتخاذ خطوات فعلية للإبلاغ.
طريقة الإبلاغ عن الجرائم الرقمية في سوريا:
توجد آليات رسمية للإبلاغ عن الجرائم الرقمية في سوريا، مثل تقديم الشكاوى إلى فرع مكافحة الجرائم المعلوماتية في وزارة الداخلية السورية، الذي يتعامل مع قضايا الجرائم الإلكترونية. حيث يتم تحويل الشكاوى من قبل النيابة العامة إلى الفرع المختص لاتخاذ الإجراءات القانونية.
وفي النهاية….
كان من الضروري تسليط الضوء على القضايا الملحة المتعلقة بالعنف الرقمي، لأنها تجارب حقيقية تؤثر في حياة الكثيرين يتطلب التصدي لهذا العنف فهمًا شاملًا للقوانين والإجراءات المتاحة، وتطبيقها بفعالية لحماية الأفراد من الاعتداءات في الفضاء الرقمي.
كما يجب دعم بيئة رقمية آمنة تعكس القيم الإنسانية مثل الاحترام والتعاون. من خلال زيادة الوعي بالتحديات التي تواجه المستخدمين، وتعزيز الحماية الفعالة للأفراد، يمكننا بناء مجتمع رقمي يحترم حقوق الجميع ويضمن سلامتهم، مما يؤدي في النهاية إلى تحقيق بيئة رقمية مستدامة وآمنة.