التعدي على المساحة الشخصية ضمن الحياة الافتراضية أحد أشكال التحرش الذي بات يؤرق كثيراً من المجتمعات الإلكترونية حيث تطورت الجريمة بتطور الزمان والمكان فهي ظاهرة اجتماعية قديمة ومستمرة نشأت بسبب الصراع على إشباع الحاجات اللامتناهي، ومع التطور التقني المعاصر تظهر الجريمة الإلكترونية، والتي تعد ظاهرة إجرامية مستجدة ومستحدثة تستهدف المعطيات بدلالاتها التقنية الواسعة (بيانات ومعلومات وبرامج) وقيم مادية ومعنوية بكافة أنواعها ولهذا ينبغي الالتفات بجدية لمعالجة هذه الظاهرة.
لقد كان لتطور التكنولوجيا والانترنت أثراً كبيراً على حياة البشر، إلا أن هذه التأثيرات لم تقتصر على الجانب الإيجابي من حياتنا، فقد تعدت ذلك للأثار السلبية التي جعلت من الكثيرين يستخدمون الإنترنت بشكل سيء يضرهم ويضر غيرهم من المستخدمين سواء على المدى القريب أو المدى البعيد.
لذلك تعددت أبعاد الجريمة الإلكترونية واكتسبت بُعداً جديداً بتطور أدواتها فيقوم المجرمون بتطبيق أوجه التقدم العلمي والتكنولوجي في دعم أهدافهم غير المشروعة، ونتيجة للاستخدام المستمر لوسائل التكنولوجيا بأشكالها المتعددة كالهاتف والبريد الإلكتروني والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وبحكم أنهم الأكثر استخداماً لها، انتشرت الاستخدام لهذه التكنولوجيا وهي ظاهرة التحرش الالكتروني باختلاف أشكاله والذي يتم عن طريق استخدام المواقع الالكترونية والرسائل العشوائية المحتوية على روابط جنسية كما تواجد في الآونة الأخيرة العديد من الأنشطة التي تساهم بنشر الثقافة الإلكترونية والمواقع التي تساعد على الانحراف.
حيث يعتبر التحرش الإلكتروني امتداداً للتحرش الجسدي، وكل ما يحتاجه المتحرش هو الوصول إلى جهاز ومودم فقوته تكمن في المعلومات الكثيرة التي يستطيع جمعها عن الضحية التي اختارها عن طريق الإنترنت طالما قد أصبح ملماً بالمعلومات والبيانات الشخصية سيكون جميع مستخدمي الإنترنت عرضة للتحرش.
يتيح مساحات التواصل الافتراضي الوصول إلى الكثير من المعلومات ولكنه يعني أيضاً أنك قد تتعرض للإساءة عبر الإنترنت، فإن لم يتم استخدام تطبيقات المراسلة ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الاتصال الإلكتروني بشكل مسؤول، يمكن أن يكون مصدراً للضرر، مثل: الملاحقة عبر الإنترنت والتنمر عبر الإنترنت وانتهاك الخصوصية والمعلومات غير الصحيحة ومشاركة الصور التي من شأنها أن تضر شعور الناجين بالأمان والصورة الذاتية واحترام الذات.
وقد تشمل هذه المضايقات الاتهامات الكاذبة والقذف والتشهير، بالإضافة إلى المراقبة أو سرقة الهوية أو التهديدات أو التخريب أو التماس الجنس أو جمع المعلومات التي يمكن استخدامها للابتزاز أو الإحراج أو المضايقة.
وكثيراً ما يحدث التحرش عادةً وجهاً لوجه، ولكن الطريقة الإلكترونية تترك بصمة رقمية وسجلاً يمكن الاستفادة منه لتقديم الأدلة والمساعدة في إيقاف الإساءة لذا فإن التحرش الإلكتروني يُعتبر جريمة جنائية على حسب قوانين كل دولة لمكافحة الملاحقة والقذف والتحرش.
كما يُمكن أن تؤدي الإدانة إلى أمر تقييدي أو إجراء ات أو عقوبات جنائية ضد المعتدي، بما في ذلك السجن أو دفع الغرامات المالية على حسب سياسات كل دولة.
كما أن تعدد الوسائل التي يتم من خلالها التحرش الإلكتروني، بما فيها البريد الإلكتروني أو الهواتف المحمولة أو مواقع التواصل الاجتماعي أو تطبيقات المراسلة أو منصات الألعاب وغيرها من الوسائل الرقمية المنتشرة بشكل واسع في الوقت الحالي، وهو سلوك متكرر يهدف إلى إخافة أو استفزاز المُستهدفين أو تشويه سمعتهم.
عواقب التحرش الرقمي
لا يقل التحرش الإلكتروني خطورةً عن التحرش في الواقع، إذ يتعرض ضحايا التحرش عبر الإنترنت لأضرار جسدية ونفسية متعددة، مثل الخوف والغضب والارتباك، بالإضافة إلى غيرها من المشاكل الصحية والنفسية.
وقد يؤثر التحرش الإلكتروني على الحياة الاجتماعية للضحايا بشكل عام، فغالباً ما يعانون من القلق والاضطراب والاكتئاب الذي قد يؤدي إلى التفكير بالانتحار.
ويعاني الكثير من مستخدمي شبكات مواقع التواصل الاجتماعي والأجهزة الموصولة بشبكة الإنترنت من تلقيهم رسائل وصوراً ومقاطع “فيديو” تضم عبارات جنسية قد تتطور في الكثير من الأحيان إلى التهديد والابتزاز، في حالة أخذ صور أو تسجيل “فيديو” للضحية والتهديد بنشره على مواقع ذات طابع جنسي.
وقد تعددت أشكال الأضرار النفسية التي نتجت عن جريمة التحرش عبر الانترنت فقد يعاني من يتعرض للتحرش عن طريق الإنترنت من عدم الشعور بالراحة النفسية خاصة صغار السن إذ يشكل الفتيان والفتيات الشريحة الأكثر عرضة للتحرش فقلة خبرتهم وصغر سنهم واندفاعهم يجعلهم لا يدركون حجم الخطر الذي يهددهم، فعلى سبيل المثال يعتقد الكثير منهم من الممكن الوقوع بالحب عن طريق الإنترنت حيث يغلب الخداع فالمتحدث غالباً مختبئ وراء شاشة يستطيع من خلالها قول أي كلام صادق أم كاذب ثم تتطور المحادثة لتصبح عبارة عن صور أو صوت أو فيديو أو لقاءات كأي علاقة بريئة غالباً ما تنتهي بمأساة وقصص محزنة طبقاً لكثير من الروايات الذين تعرضوا للخداع.
وفي نفس الوقت حذر أطباء علم النفس من الأضرار السلبية التي تحدث عن طريق الإنترنت حيث أشارت الدراسة أن أكثر من 22% يصابون بخطر الاكتئاب بعد تعرضهم للتحرش الإلكتروني، وقد لاحظنا في يوم المرأة العالمي عن ظاهرة التحرش الرقمي التي أجرتها “نورتون” والتي خلاصتها أن النساء هن أكثر عرضة بشكل عام بين أنواع التحرش الجنسي الالكتروني الذين يقعن من ضعف التهديدات بالقتل والعنف الجنسي.
ومع زيادة أعداد النساء والفتيات المستخدمات للإنترنت، لم تزد فقط نسبة العنف الإلكتروني ضدهم، بل تنوعت أشكاله؛ فأصبح منها المطاردة الإلكترونية، التهديد والابتزاز، التحرشات الجنسية والتنمر الإلكتروني، المراقبة والتجسس على أجهزة الكمبيوتر وغيرها وبالرغم من أن هذه المخاطر التي تتعرض لها النساء والفتيات أصبحت ملحوظة في الفترة الحالية، إلا أنه لازال هناك نقص شديد في معرفة بعض النساء والفتيات لطرق حماية أنفسهن وكيفية التعامل مع هذه الأمور على نحو صحيح عند تعرضهم لأي من هذه المواقف، مما يجعل الأمر أكثر سوءًا.
لذلك تخشى العديد من الفتيات الإفصاح عن تجربتهن مع العنف الإلكتروني خوفًا من وصمة العار التي تعرضهن لضغط نفسي واجتماعي، إن هؤلاء الفتيات يخشين مواجهة المعتدي أو المبتز وآبائهن واللوم الاجتماعي، والقيود المحتملة عليهن، مما يؤدي إلى مشاكل نفسية خطيرة، والمثير للقلق أنه مع زيادة استخدام النساء للإنترنت نتوقع زيادة هذه الجرائم، لذلك أصبح من الضروري توعية النساء لاتخاذ كافة الإجراءات لحماية أنفسهن، بالتوازي مع تقديم كل الدعم لمن تعرضن له.
التكنولوجيا نفسها التي توفر وسيلة لابتزاز النساء، تسهل أيضًا عملية القبض على مرتكبي هذه الجرائم.
إن تحديد مسؤولية الأمن الرقمي على شبكة الانترنت يعد بلا شك من أدق الموضوعات التي يمكن مواجهتها حيث يعتمد تشغيل الشبكة على آلات قام بعض متخصصين ببرمجتها ببرامج يجب أن يتحملوا مسؤوليتها، ونظراً لشبكة الإنترنت ليست خدمة يديرها شخص ما يتعاقد معه من ناحية ومع مقدمي المعلومات والمستخدمين من ناحية أخرى فالإنترنت قوة كامنة في توفير الخدمة بعدد غير محدود للحسابات على مستوى العالم تلبية لرغبة مستخدميها عن طريق الاتصال بها ونظراً لتفاعل أدوار القائمين عليها فهذا يقودنا إلى مواجهة مستويات مختلفة من المسؤولية بالنسبة لتنوع أدوارهم في تقديم الخدمة.
فيمكن لنا أن نتخيل كيف يمكن للنساء والرجال عدم الشعور بالخوف من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لأنها تعلم أن السياسة الوقائية وسبل الانصاف المناسبة بشأن التحرش الجنسي التي تم التفاوض عليها بشكل جماعي، يتم تنفيذها بشكل فعال في المساحات الافتراضية. فهي تعلم أنه يمكنها التحدث عن أي تحرش جنسي تتعرض له من العالم الافتراضي، لأنها ستحظى بالدعم، وهي تعلم أن العنف والتحرش في هذه البيئة ليس “جزءاً من الحياة الافتراضية ومن الطبيعي وضع سياسات وقوانين وإجراءات تنظم حماية المستخدمين للانترنت وتشعرهم بأمان باستخداماته المتعددة.
يمكن أن يكون للتنفيذ الفعال لهذه المعايير تأثير كبير على نظرة المجتمع لبيئة الانترنت لذلك من المهم زيادة الوعي ومطالبة صانعي السياسات بجعل العالم الافتراضي أكثر أماناً.