دقت ساعات الصباح الأولى على إيقاع مختلف، فجر يوم لا يشبه غيره من الأيام، أعينٌ تتفتح تراقب ما حولها غير مدركة ما يجري، تبحث عن الأجوبة بين الأصوات المختلفة والتي قيل لاحقاً بأنها صوت الأرض، رائحة موت ودمار لم تشبه كل روائح الموت التي كان قد تم اختبارها من قبل، لحظات صباحية معدودة كانت كفيلة بأن تشهد كل لحظات الذعر والخوف والإيمان والترقب دون أن يليها أي سكون.
بعد دقائق أطلقت وسائل الإعلام خبر عاجل: وقوع زلزال أودى بحياة العديد من الضحايا في سورية وتركيا، لم نكن على ما يرام منذ اللحظة الأولى، ولكن لا يهم أن نكون بخير في لحظات مماثلة، المهم أن نقوم بما يجب علينا القيام به، ما يمثل اليقين لنا لكي نحيا.
ماذا بعد زلزال 6/2/2023؟
بالتأكيد لم يحالف الحظ الجميع، على فرض أن البقاء على قيد الحياة كان للمحظوظين، ظهرت التصدعات ضمن العديد من الأبنية مع سقوط البعض الآخر واختلفت وتعددت الآراء منها من طالب بكشف حالات الفساد وعدم الالتزام بالمعايير الهندسية والنسب الصحيحة التي تظهر بظروف مماثلة مطالبين بتطبيق قواعد المحاسبة وإيقاع أشد العقوبات بكل من كان فساده سبباً بإيقاع المزيد من الأضرار، ومنهم من كان يسارع لتقديم أسرع أنواع الاستجابة والمطالبة بحلول للمتضررين وتأمين المأوى والمسكن ومنهم من اتجه إلى الأسباب الوجدانية للكارثة واعتبارها اختباراً جديداً للإيمان والصبر ومنهم من وجدها لعنة جديدة تصيب هذه البقعة من الأرض في كل مرة بحلة جديدة دون معرفة الأسباب.
وجع الفقر لم يكن بجديد فقد كان قبل الزلزال جزءاً من الروتين اليومي الذي تم تصميمه بإتقان ليكون قادراً على تلبية أبسط الاحتياجات الضرورية المعيشية، إلا أن هذه العادات اليومية لم تعد مفيدة وقادرة على تحمل المزيد من شح الموارد بعد الزلزال، فلم يعد هناك ما يكفي الجميع.
كان تأثير الفاجعة مختلف، فحتى الفواجع لا تقبل الحياد وتتخذ مواقف مختلفة، خسر الكثير من الرجال عائلاتهم وبيوتهم وأعمالهم ومالهم، عجز كبير غير مدركين أي طريق لإيجاد الحلول التي قد تكون بعيدة أو قريبة، حالة من الذهول والعجز بانتظار ما يمكن أن يخفف ولو القليل من هذه المعاناة، لتضاف حلقة جديدة إلى سلسلة الهزائم التي لم يعد بإمكانهم إيقافها.
النساء كما هن دائماً في حالات الكوارث لم يكن لهن الحظ الأوفر ودائماً ما ينالون النصيب الأكبر من المعاناة بسبب قدرتهن الجسدية الأضعف والضغوطات النفسية الكبيرة والخوف من المجهول مع ازدياد الأعباء عليهن بشكل كبير، ونقص بتلبية العديد من احتياجاتهن الأساسية مثل الرعاية الطبية للحوامل والمرضعات واحتياجات النساء الأخرى.
ذكرت المنظمة الدولية لحقوق الإنسان “النساء والفتيات السوريات بالتحديد يواجهن مأساة مزدوجة جراء الزلازل”.
أما الاطفال فقد أفادت منظمة اليونيسف بأن آلاف الأطفال والأسر عرضة للخطر في أعقاب الزلزالين المدمرين وعشرات الهزات الارتدادية في تركيا وسورية، وقالت المديرة التنفيذية لليونيسف كاثرين راسل: “الصور التي نراها من سورية وتركيا مؤلمة. ضرب الزلزال الأول في وقت مبكر جداً من الصباح، عندما كان العديد من الأطفال يغطون في نوم عميق، مما جعله أكثر خطورة، كما أن الهزات الارتدادية تجلب مخاطر مستمرة. قلوبنا مع الأطفال والأسر المتضررة، خاصة أولئك الذين فقدوا أحباءهم أو أصيبوا. تتمثل أولويتنا العاجلة في ضمان حصول الأطفال والأسر المتضررة على الدعم الذي يحتاجونه بشدة“.
ومما فاقم المشكلة، الضرر الكبير الذي ضرب العديد من المدارس والمرافق التعليمية، بالإضافة إلى ترك العديد من الأسر منازلهم وبقائهم بلا مأوى وبقاء الأطفال دون أي مصير واضح ينتظرهم.
إن الآلام توحد من يشعر بها…. حالة من التكافل والتضامن ظهرت بشكل لم تشهده البلاد من قبل تمثلت في التنافس نحو الدعم وتقديم كل ما يمكن تقديمه للتخفيف من حجم الفاجعة، وفي القيام بالواجب الفردي المتمثل في الإسراع بالنجدة والانضمام الطوعي لقوافل الإنقاذ لتتحول إلى جهود جماعية ترجمتها جهات العمل الأهلي والمدني من جمعيات ومؤسسات ونقابات ومبادرات لتتدفق المساعدات الإغاثية ضمن استجابة أولية وهي ما يطلق عليها عامياً تسمية (الفزعة)، ليتحول الجميع إلى أبطال يعملون على تأمين كل ما يمكن تأمينه للتخفيف من تداعيات الزلزال وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالإضافة إلى الاستجابة الدولية بإرسال قوافل المساعدات وفرق الإنقاذ لتتوحد الجهود في التغلب على هول المصيبة ولا يخفى على أحد ما قام به المجتمع المدني والناشطين المدنيين للعمل على المطالبة بوقف العقوبات على الشعب السوري والتي تكللت بالنجاح بصورة جزئية خلال فترة قصيرة مما انعكس ايجاباً على الدعم المقدم للمناطق المنكوبة وفتح المجال ليتضامن السوريين في الداخل والخارج بشكل أكبر لمواجهة زلزال 6/2/2023.
ما الذي ينتظرنا بعد زلزال 6/2/2023؟
تطرح العديد من التساؤلات حول المستقبل وهل سيكون هذا الزلزال هو بوابة جديدة لمشكلات أم حلول قادمة، الكثير يرى بأن الحلول لا يمكن أن تكون سهلة وإنما ترتبط باعتبارات مختلفة سياسية واقتصادية….وغيرها، ما يتوقف على المحليات هو فقط الحلول الإسعافية السريعة التي تجد الحلول الآنية دون أي استدامة.
ولكن إذا بحثنا في تجارب مشابهة على اعتبار أن آسيا والمحيط الهادئ هي المنطقة الأكثر عرضة للكوارث في العالم، كما أنها موطن للعديد من البلدان الهشة والمتأثرة كالزلزال والجفاف في أفغانستان والفيضانات في بانكوك والزلزال في النيبال سنجد أن ما ينتظرنا:
- الكثير من العنف وخاصة ضد النساء سنجد الغضب والخوف يتفاقم ضمن الأسر، وسنجد الكثير من حالات العنف ضمن البيئات المحلية.
- سيترسخ زواج القاصرات كأحد الحلول لمشاكل الفقر، سيكون الكثيرين على استعداد للتشبث بأي فرصة تظهر لهم.
- سنكون أمام تسرب كبير من المدارس وسيكون هناك العديد من المشاكل التي تواجه قطاع التعليم.
- سنجد العديد من الأمراض التي ترتبط بسوء الوعي الصحي وانعدام الظروف الصحية الملائمة ضمن العديد من المساكن.
- قلة الموارد البشرية الطبية والهندسية خاصة والقوى العاملة عامة نتيجة الهجرة خلال عقد مضى.
- نيران الاندفاع للمساعدة ستخمد بعد وقت قصير وسيبقى من يحتاج للمساعدة بحاجة لها.
- سنعاني من الأمراض والضغوطات النفسية والتي ستنعكس على السلوكيات وخاصة لدى الفئات الأكثر ضعفاً هشاشة.
- سنفقد العديد من سبل العيش والمزيد من المهن والحرف وخاصة التراثية منها.
كيف يمكن أن نواجه تداعيات نكبة زلزال 6/2/2023
إدراك المشكلة هو نصف طريق الحل إلا أن نصف الطريق الآخر يتوقف على ما سنقوم به لذا علينا البدء بـ:
- التخطيط الجيد لمرحلة ما بعد الكارثة ووضع خطط محلية ووطنية مراعية للنوع الاجتماعي (الجندر) حيث يجب على سبيل المثال وضع خطط لتأمين العمل للنساء المعيلات، ومساعدة الأطفال في الحصول على التعليم، وتأمين الحماية للفتيات، وتقديم الدعم للرجال في الحصول على أعمال مؤقتة.
- إعطاء دور الرقابة والمشاركة للمجتمع المدني من خلال استثمار كياناتها والأدوات المختلفة التي يملكها لتحقيق وتطوير الخطط الوطنية.
- فتح قنوات تواصل لتحقيق التشاركية والشفافية مع المجتمعات المحلية.
- توثيق وتنظيم البيانات من خلال منصات وطنية شفافة يتم العمل من خلالها على أرشفة وتقييم كافة الإجراءات وتطويرها.
- ضرورة العمل على إعطاء أدوار للنساء لأنها الأكثر قدرة حسب الاحصائيات العالمية على الحد من الكوارث، وإدارة الأزمات.
- تطوير التشريعات بما يتناسب مع تحقيق الخطط الوطنية وبناء هذا التطوير على الحاجة المجتمعية ورغبة المجتمعات بتحقيقها مع وضع قواعد رادعة وناظمة للمرحلة المقبلة.
- رفع الوعي القانوني وتفعيل وتقوية الأجهزة القضائية لتحقيق أكبر قدر من العدالة والحماية.
- العمل على الصحة النفسية لتجاوز الآثار النفسية التي تتركها الأزمات والكوارث.
- تطوير الخطط العمرانية بما يتناسب مع المعايير العالمية وتهيئة البنى التحتية بطريق تضمن الحد الأدنى من عدم تكرار المأساة.
- إشراك جميع السوريين في الداخل والخارج بعملية اقتراح خطوات وآليات وبصورة منظمة تساعدهم على أن يكونوا جزء من حل المشكلة.
هناك فرق شاسع بين إيجاد الحلول وبين اتخاذ خطوات جدية لتطبيقها، ستكون الرؤى مختلفة وبالتأكيد من الصعب العمل على ما لم يتم التخطيط له مسبقاً ولكن ليس لنا إلا أن نخطي بخطوات نسعى بأن تكون خطوات ثابتة.
انقطعت الطرق ولم يبقى لنا إلا النجاة
رولا باش إمام Tweet