أهم المراجع البحثية في مجال تحويل النزاع
أدوات تحليل النزاع:
أخذ العدد المطلق لوفيات الحروب في الانخفاض على الصعيد العالمي منذ عام 1946.
بيد أن النزاع والعنف يتصاعدان في الوقت الراهن، وتنشب معظم النزاعات اليوم بين العناصر الفاعلة من غير الدول، من قبيل الميليشيات السياسية والجماعات الإجرامية والجماعات الإرهابية الدولية.
وأصبح من عوامل النزاع السائدة التوترات الإقليمية التي لم تُحل، وانهيار سيادة القانون، وغياب مؤسسات الدولة أو اختطافها، والمكاسب الاقتصادية غير المشروعة، وتفاقم ندرة الموارد بفعل تغير المناخ. وفي عام 2016، كان عدد البلدان التي شهدت نزاعات عنيفة أكبر من أي وقت مضى منذ ما يقرب من 30 عاماً.
وفي الوقت نفسه، أصبحت النزاعات أكثر تجزؤاً – فتضاعفت بشدة، على سبيل المثال، وطبقاً لمنظمة الأمم المتحدة فإن عدد الجماعات المسلحة الضالعة في الحرب في إحدى الدول منذ اندلاع النزاع، من مجرد ثماني جماعات إلى عدة آلاف من الجماعات.
وعلاوة على ذلك، أصبحت النزاعات اليوم أقل استجابة لأشكال الحل التقليدية، مما يجعلها أطول أمدا وأكثر فتكاً.
ويعزى هذا بدرجة كبيرة إلى اكتساب النزاعات لطابع إقليمي يؤدي إلى الربط بين المسائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية عبر الحدود، فتعزز بالتالي تلك النزاعات بعضها بعضاً.
يمكن فهم النزاع على أنه تفاعل قائم على اللاتعايش بين فاعلين على الأقل، أحدهما يتعرض للضرر والآخر إما أن يكون متسبباً في هذا الضرر بشكل متعمد أو أنه يتجاهل وجوده.
وتشكل نتائج تحليل النزاع أساساً لتوجيه الفعل في المستقبل باعتبار النزاعات على أنها أنساق ديناميكية، مما يرشح أي تدخل لأن يصبح جزءاً من نسق النزاع لذلك ينبغي أن يركز تحليل النزاع على تعزيز الطاقات الإيجابية والخلاقة سواء تلك الموجودة داخل نسق النزاع أو التي لها علاقة به. ويكون النزاع إما نزاع سلمي أو نزاع عنيف ويأخذ النزاع عدة أبعاد ويتدرج بعدة مستويات تبدأ بالتناغم والسلام الدائم والسلام الثابت والسلام غير الثابت والأزمة وآخرها الحرب.
يمكن تعريف النزاع اصطلاحاً على أنه خلاف أو جدال أو مرافعة غالباً ما تؤدي إلى إجراء قانوني مثل التحكيم أو الوساطة أو الدعوى.
ونقوم بتحليل النزاع للحد من تطور النزاع ولمعرفة الأداة التي سنستخدمها في حل النزاع في كل مرحلة من مراحله. ولا يؤدي التحليل بالضرورة إلى فهم موضوعي للنزاع، لكنه بالأحرى يعرض ادراكاتنا الذاتية وجعلها مرئية بحيث يمكن التأمل والتفكير فيها ومناقشتها والتواصل بشأنها بوضوح.
يتضمن تحليل النزاع ما يلي:
- التحقق من أن محلل النزاع يتعامل فعلاً مع حالة نزاع ملموس.
- تعيين الخطوط الرئيسية لحالة النزاع مع الإبقاء على إمكانية مراجعتها لاحقاً.
- استعمال أدوات التحليل للتركيز على مظاهر معينة للنزاع.
مناهج تحليل النزاع
هناك ثمان أدوات يمكن استعمالها لتقييم الخصائص المختلفة لنزاع ما بطريقة مبنية تحليلياً. مع مراعاة أن تحليل النزاع يتأثر بمختلف وجهات النظر للمحلل.
عادة ما يتم استعمال المناهج التالية لتحليل النزاع:
منهج هارفارد The Harvard Approach
يؤكد هذا النهج على الاختلاف القائم بين المواقف من جهة والمصالح من جهة أخرى، ويفترض أنه يمكن حل النزاع عندما يركز الفاعلون على المصالح بدلاً من المواقف، عندما يعملون على تطوير معايير مقبولة من طرف الجميع.
نظرية الاحتياجات الإنسانية The Human Needs Theory:
تفترض هذه النظرية أن أسباب النزاعات تكمن في مجموعة من الاحتياجات الإنسانية الي لم يتم إرضاؤها. وهي تدعو إلى تحليل هذه الاحتياجات والتواصل بشأنها والعمل على إرضائها من أجل الوصول إلى حل للنزاع.
مقاربة تحويل النزاع The Conflict Transformation Approch:
تفترض هذه المقاربة بأن النزاع إما أن يكون تفاعلاً بناءً أو تفاعلاً هداماً وذلك حسب الطريقة التي يتم من خلالها التعامل مع النزاع أو الطريقة التي يتم من خلالها العمل على تحويل النزاع، وينظر إلى النزاعات، حسب هذه المقاربة، على أنها تفاعلات للطاقات، ويتم التركيز على الإدراكات المختلفة والسياق الاجتماعي والثقافي الذي تبنى فيه الحقيقة.
حالما ننتهي إلى الحسم بأن الحالة التي نتعامل معها عبارة عن نزاع، نحتاج إلى الحسم بشأن حدود التدخل باعتبار أن كل نزاع هو عبارة عن نسق فرعي داخل نسق أوسع يتشكل من السياق الذي يجري فيه النزاع.
ما هي أدوات تحليل النزاع؟
الأداة الأولى عجلة النزاع Conflict Wheel:
هي أداة تحليل “ما وراء” النزاع، وتنظم الأدوات التحليلية الأخرى. وتقدم هذه الأداة نظرة كلية قبل الشروع في تحليل جوانب معينة من النزاع.
الهدف منها تنظيم الأدوات التحليلية الأخرى وتقديم نظرة كلية عندما يتم القيام بالمقاربة الأولى للنزاع.
وتتألف من ستة أبعاد مهمة لتحليل النزاع:
- الديناميكيات: تشير إلى مستوى التصعيد الذي بلغه النزاع.
- القضايا/المشاكل: ما الذي تختلف أو تتقاتل حوله أطراف النزاع.
- الفواعل/العلاقات بين الفواعل: عبارة عن أفراد، دول، منظمات متورطة في النزاع/ أو معنية في النزاع. إذا كانوا متورطين بشكل مباشر في النزاع يسمون أطراف النزاع، أما إذا كانوا قد أصبحوا معنيين به خلال مرحلة تحول النزاع فيسمون الأطراف الثالثة، وهناك أطراف لها مصالح على المحك (stakeholders) عندما يتعلق الأمر بمخرجات النزاع ولكنها لا تكون متورطة فيه بشكل مباشر.
- السياق/البنُى: السياق والعوامل البنيوية عادة ما تقع خارج نسق النزاع. يشير العنف البنيوي إلى العنف الذي لا يتسبب فيه الأفراد بشكل مباشر ولكن من خلال التأثيرات الاقتصادية والسياسية القائمة، كالفقر مثلاً.
- السببية: النزاعات ليست أحادية السبب، ولكنها متعددة الأسباب وتنجم عن تفاعل وتداخل مجموعة من العوامل المؤثرة في النزاع.
- الاستراتيجيات: يتم هنا فحص طرق التعامل مع النزاع، الاستراتيجيات المستعملة أو الممكن استعمالها، جهود أطراف النزاع أو الأطراف الثالثة للتخفيف من حدة النزاع.
الأداة الثانية شجرة النزاع Conflict Tree:
هي نموذج معبر عن الشكل الذي ينتج عن تحليل النزاع على شكل شجرة بدءً من الجذور إلى الأوراق. تصور الجذور العوامل البنيوية، ويمثل الجذع القضايا والمشاكل الظاهرة التي تربط بين العوامل البنيوية والعوامل الديناميكية التي تتمثل بالأوراق.
هدف هذه الأداة هو الشروع في التفكير حول الروابط بين الأسباب الجذرية، القضايا والعوامل البنيوية.
الأداة الثالثة خريطة النزاع Conflict Mapping:
تركز هذه الأداة على الفواعل والعلاقات التي تربط بينها. وتعتبر أداة جيدة للشروع لتحليل نزاع ما. تمكننا هذه الأداة من تقديم ظاهرة اللاتماثل في القوة من خلال الحجم النسبي للدوائر الممثلة للفواعل في النزاع. وتعكس خريطة النزاع وجهة نظر المحلل بشأن حالة نزاع معين في لحظة زمنية معينة، ولا ينبغي أن تكون على قدر كبير من التعقيد.
الهدف من هذه الأداة هو توضيح العلاقات التي تربط بين مختلف أطراف النزاع، وتمثيل النزاع على ورقة واحدة لإعطاء نظرة أولية شاملة على النزاع.
الأداة الرابعة نموذج التصعيد لـ غلاسل Glasl’s Escalation Model:
يهدف هذا النموذج إلى جعل الاستراتيجية المعتمدة للتدخل في النزاع ملائمة لمستوى التصعيد الذي بلغته أطراف النزاع.
يبدأ النزاع من خلال رغبة الأطراف في تحقيق شيء ما مع بداية التصعيد، لا يبقى الأمر متعلقاً بالرغبة في تحقيق هذا الشيء، ولكنه يتجاوز ذلك نحو الرغبة في إلحاق الأذى بالخصم، بحيث تتمثل المرحلة النهائية للتصعيد في التدمير المتبادل.
يمكن تحليل ديناميكيات التصعيد من خلال الصورة المرفقة.
الأداة الخامسة نموذج التحليل المنظوري للنزاع Conflict Perspective Analysis:
يقترح هذا النموذج طريقة لتحليل نزاع ما خطوة بخطوة، وقد تم تطويره من قبل وسطاء انميديو INMEDIO لتحليل مختلف مستويات النزاع الجزئي micro بين الأفراد، المتوسط meso بين المنظمات، و الكلي macro بين الجماعات أو الدول. يركز هذا النموذج على وجهات النظر لدى مختلف الأطراف المعنية بالنزاع وهو ما قد يساعدها على تغيير وجهة النظر تجاه الصراع، وهنا للدوافع الخفية أن تصبح مرئية أكثر وبالتالي أقل تهديداً.
يمكن القول بأن نموذج (CPA) يتبع مختلف المراحل التي تمر بها عملية الوساطة، وهو إما أن يستعمل لطلب استشارة بين مجموعة من المحللين، أو كعمل تحضيري لعملية الوساطة أو كأداة للتدريب.
والهدف من هذه الأداة: هو الفصل بين الوقائع والتأويلات، الأشخاص والمشاكل، المواقف والمصالح.
التمكين من تغيير وجهات النظر، وجعل دوافع أطراف النزاع تبدو جديرة بالقبول، وتوسيع وجهات نظر كل الأطراف.
الأداة السادسة خريطة الاحتياجات والمخاوف Needs-Fears Mapping:
على غرار نموذج (CPA) يركز هذا النموذج على أطراف النزاع ومشاكلهم ومصالحهم واحتياجاتهم….إلخ
يمكن استخدام هذه الأداة لتحليل النزاع من خلال طرف واحد، وتدوين ما يتعلق بالأطراف الأخرى افتراضياً، أو من خلال طرف ثالث لتوضيح مدركاته حول الفواعل الأخرى افتراضياً، أو من خلال عملية الوساطة، أو يمكن أن تستعمل كتمرين على تغيير وجهات النظر المتعلقة بالنزاع.
وتهدف هذه الأداة إلى:
- توضيح خصائص مختلف أطراف النزاع في أشكال قابلة للمقارنة.
- جعل أطراف النزاع تتخلى عن المواقف ذات المخارج المغلقة.
- مساعدة الأفراد على فهم إدراكات بعضهم البعض.
- إثارة وتحفيز النقاش.
الأداة السابعة نموذج الأدوار متعددة الأسباب Multi-Causal Role model:
يركز هذا النموذج على السببية، والطبيعة المختلفة للأسباب، ومثيرات التصعيد triggers، والقنوات، ومسببات التغيير، والأهداف.
ويهتم هذا النموذج أيضا بالفواعل، والبنى, والديناميكيات، والمضامين.
وغالبا ما تكون للنزاعات جذور ترجع إلى الظروف النفسية والاجتماعية، والاقتصادية الاجتماعية، والسياسية الدولية. ويفترض أن تكون هناك مجموعة عرضية متزامنة من العوامل التي تؤدي إلى اندلاع العنف.
منهج ACCP لتحليل النزاع:
الخطوة الأولى: يتم تبسيط الأمور في هذا المنهج من خلال وضع معلوما النزاع ضمن أربعة حقول:
- الأطراف: أي من هم المعنيون في النزاع بما فيهم الوسيط.
- المحتوى: ما هو موضوع النزاع وما هي القضايا التي يتنازع حولها الأطراف، ويجب أن تكون محددة قدر الإمكان.
- السياق: ما هي الظروف التي تحيط بالنزاع القائم والعوامل المرتبطة ببيئة النزاع.
- العملية: ما هي العمليات التي حاولت حل النزاع سواء حدثت سابقا أو تلك الجارية حتى اللحظة.
الخطوة الثانية: تفحص الخارطة التي نتجت لدينا وتسمى خطوة النفاذ إلى العمق عن طريق طرح الأسئلة بناء على الحقول الأربعة السابقة.
في المجمل تعزى أسباب النزاع إلى عدة مصادر فردية نفسية وهي النزعة التي تجد أساسها في غريزة حب السيطرة والتسلط، وفي الدافع نحو الانتقام والتوسع والمخاطرة. وتوفر الصراعات والحروب والنزاعات الفرصة المثلى لإرضاء مثل هذه الدوافع والنزعات الكامنة في أعماق الطبيعة الإنسانية نفسها.