تنبيه، ستتعرف في هذا المقال على مصطلح “متلازمة المرأة المنتهكة” وأخشى ما أخشاه أن تخرج بما خرجت به حول ارتباطه بالمرأة العربية عامة.
العنف ضد النساء
كثيراً ما تصادفني كلمة عنف، وسرعان ما أقوم بربطها بالحروب وما يحدث فيها، لكن وبعد خوضي في غمار الحياة أكثر أكتشفت أنّ العنف ليس بحاجة لحرب ليكون موجوداً، ولا لأدواتٍ ملموسة. فأيّ فعلٍ عنيفٍ يترتب عليه، أذىً أو معاناة سواء من الناحية الجسدية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة فهو عنف.
وحقيقةً فإنّ المؤسف بالأمر أنّ العنف كما تقارَن مع الحروب دائماً فقد تقارَن مع المرأة بشكل كبير. حيث تشير التقديرات العالمية حسب منظمة الصحة العالمية، بأن واحدة من كل ثلاث نساء في أنحاء العالم كافة تتعرض في حياتها للعنف البدني و/ أو العنف الجنسي على يد العشير أو غير الشريك.
فهل من الممكن أن تكون المرأة ذلك الكائن الذي من الممكن له أن يُعايش ذلك كُلّه دون أي ردةِ فعلٍ وأيِّ تأثير!؟
تداعيات العنف ضد النساء
بالتأكيد ليس للبشر رد الفعل ذاته، ولا قدرة التحمل ذاتها. وإنّ التعرّض للعنف يؤدي للعديد من النتائج اللاحقة، والتي قد تختلف تبعاً لنوع وطبيعة العنف الذي تتعرض له، إضافة لشخصية الأنثى والظروف التي مرّت بها، ولكن في هذا المقال سنتحدث عن متلازمة المرأة المنتهكة ماهي؟ وكيف تنتج؟ وما الذي ينتج عنها؟ وهل من الممكن علاجها؟
متلازمة المرأة المنتهكة
أسباب متلازمة المرأة المنتهكة أو كيف تصل المرأة لهذه الحالة؟
المرأة المنتهكة هي امرأة تتعرض لعنف بغض النظر عن الشخص المعنِّف لها، ولكن في أغلب الحالات يكون التعنيف من قبل الشريك. يكون لدى هذه المرأة شعور بالعجز وعدم القدرة على إيجاد حل يخرجها مما هي فيه أو حتى يُمكنها من الهرب، فيلازمها شعور قاتل بالضعف. وفوق هذا كُلّه يتم لومها وإرجاء سبب المشكلة وما تتعرض له من عنف وسوء معاملة إليها.
“أنت من جعلتني أغضب”، “أنت من دفعني لضربك”، “الحق عليك ما بصير تردي بوجهه”….
المفاجئ بالأمر أنّ هذه المرأة تكون متقبلة لوجهة النظر هذه،
“أنا الحق عليي خليته يضربني”، “بعرفه بعصب إذا حكيت معه هو وعم يتابع أخبار”، “لو ما حكيت هيك ما كان فصل النت عن البيت”…إلخ
وعندما تناقش الموضوع مع أهلها أو محيطها يقومون أيضاً بإلقاء اللوم عليها، فتتبنى لديها هذه الفكرة “أنا السبب”
لتعيش سلسلة من مشاعر العجز والضعف والتأنيب والخوف. فتظهر المتلازمة كرد فعل لحلقة ثلاثية المراحل تحدث في مواقف العنف، المرحلة الأولى هي التوتر الذي يظهر في العلاقة. والثانية، قيام الطرف الممارس للعنف بتفريغ التوتر من خلال ممارسة العنف مع لوم الضحية على التسبب في إحداث العنف، والمرحلة الثالثة هي إظهار الطرف المعتدي لعلامات الندم. وعلى الرغم من ذلك، فإن الشريك لا يجد حلولًا لتجنب تجربة أخرى من تراكم التوتر وتفريغه ولذلك تتكرر حلقات العنف. ويؤدي تكرار العنف إلى شعور الشخص المُعنَّف بالذنب لعدم تمكنه من منع حدوث حلقة متكررة من العنف. الأمر الذي يدفعه للوم نفسه وشعوره بالعجز.
وبناءً على الأبحاث التي قام بها “جوندول وفيشر” في الثمانينيات. فقد أظهرت بأنّ النساء في مواقف التعرض للعنف يملنَ لانتهاج سلوك البحث عن مساعدة كلّما زادت حدة ممارسة العنف. وبالرغم من ذلك، فإن محاولاتهن لإيجاد مساعدة تفشل بالغالب بسبب عدم استجابة عائلاتهن وجهات تقديم الخدمات الاجتماعية لهن. وفي إحدى الدراسات التي أجريت في عام 2002، اكتشف “جندولف” أن أكثر من نصف النساء لديهن آراء سلبية تجاه دور توفير الحماية والبرامج المخصصة للنساء المنتهكات وذلك نتيجة الخبرات السلبية التي تعرضن لها من خلال هذه البرامج.
علامات تدل على متلازمة المرأة المنتهكة
متى يمكننا القول عن امرأة ما أنها تعاني من متلازمة المرأة المنتهكة؟
في الغالب هذه المرأة تحاول تجنب الاجتماعات والتفاعل مع المجتمع بناءً على قناعتها السابقة، فهي شخص مذنب ولا يملك القدرة على التفاعل مع الناس.
قد يتم ملاحظة هذا العارض على فتاة اجتماعية بطبعها قبل الزواج لكن بعد زواجها بفترة من الزمن، تراها تنسحب اجتماعياً بشكلٍ تدريجي حتى الإختفاء، مختلقةً أعذار تتعلق بانشغالها وانشغال زوجها وهي أعذار غير حقيقية في الواقع.
ودون أي إدراك منها لنتائج ما تفعل، تجد نفسها تواصل الانسحاب من المجتمع مقتنعة بفكرة أن لا أحد بإمكانه إنقاذها ولا فهمها ولا استيعابها.
أيضاً في الغالب، فإنّ ردات فعل المرأة المنتهكة اتجاه الأشخاص الغريبة أو المواقف المفاجأة تكون دائماً سريعة ومبالغة كما لو أنها في وضعية الخطر، وهذا إن دل على شيء فما هو إلا دلالة عمّا تعايش.
المرأة المنتهكة أيضاً تتنازل عن حقوقها. قد تترك عملها أو دراستها دون الاعتراف ومواجهتها للسبب الحقيقي وراء قيامها بذلك وتراها تتذرع بزواجها وأطفالها واحتياجهم لرعايتها غالباً.
ومنه يمكننا القول فإنّ متلازمة الشخص المنتهك أو ما يعرف بمتلازمة المرأة المنتهكة هي عبارة عن حالة جسدية ونفسية تم تصنيفها في الإصدار التاسع من التصنيف الدولي الإحصائي للأمراض باسم 995.81 “متلازمة الشخص المنتهك”.
وعلى الرغم من أن اسمها يدلّ على أنها خاصة بالمرأة المنتهكة فحسب، إلا أنها تخص الرجل والمرأة. ويرتبط الاسم بحيثيات نشأة المصطلح، ليس أكثر.
لماذا تستمر المرأة في علاقتها مع شخص مُعنِّف لها؟
إنّ شعور المرأة بمسؤوليتها عن العنف الذي تتعرض له، وعجزها عن منعه يؤدي إلى الكآبة والسلبية؛ فالكآبة والسلبية المكتسبان يجعلان من الصعب على الطرف المتعرض للعنف ترتيب الموارد ونظام الدعم الضروريَين لإنهاء هذه العلاقة.
كذلك، فإنّ أغلب السيدات اللاتي يتعرضن لهذه الأمور يفقدن القدرة على النجاة بسبب الضغط الذي يتعرضن له من العائلة والمجتمعات العربية.
القانون ومتلازمة الشخص المنتهك
مع كل ما تعايشه هذه المرأة فإنها قد تصل في لحظة من الضعف لحد ارتكابها جريمة، اعتقاداً منها أن كل الأدوات التي يستخدمها الأشخاص العاديون من اتصال بالشرطة أو اللجوء لأحد ما أو…. هي غير قادرة على استخدامها لأنها الشخص المذنب، كما تعتقد. فترتكب جريمتها بحق الشخص المُنتَهِك لها دون أن تكون في حالة دفاع عن النفس، مستغلةً في الغالب وجوده “عدوها” في حالة ضعف نائم أو في حالة سكر أو…
لذا تعد هذه الحالة المرضية الأساس لحالات دفاع المرأة المنتهكة. وأول ما برزت هذه المتلازمة، كانت في القضاء والمحاكمات؛ إذ استخدمها محامون في سبعينيات القرن الماضي، كدفاع قانوني للنساء المنتهكات اللاتي تعمّدن قتل أزواجهن.
وفي هذا الأمر، فإنَّ “لينور ووكر” أول من قام بدراسة هذه الحالة بشكل متعمَق مستخدماً نظرية العجز المكتسب لـ “مارتن سليجمان” لشرح أسباب استمرار النساء اللواتي يتعرضن للعنف في هذه العلاقات الزوجية المدمرة لها.
متلازمة الطفل المنتهك
متلازمة الطفل المنتهك أو الطفل المضروب (BCS)، هي مجموعة من الاضطرابات والإصابات التي تظهر على الطفل نتيجة تعرضه لإيذاءٍ جسديٍّ، مثل: الإصابات الداخلية والحروق والكدمات وكسر العظام.
وبالتأكيد فإنّ الأذى النفسي والعاطفي للطفل ما هما إلّا نتيجة لتعرض الطفل لسوء المعاملة. نتائج هذا الأذى تظهر بسلوكيات خطيرة قد تتمثل بإساءة استخدام الأدوية أو العنف الجسدي مع الآخرين.
وغالبًا ما يقع العنف على الطفل من قبل الشخص المعنّف نتيجة الغضب الشديد أو أثناء لحظات من التوتر، وفي الغالب فإنّ الأهل المعنفين لأطفالهم يعانون من نقص التعليم، إدمان الكحول أو المخدرات.
ومن الجدير بالذكر أنّه تم العثور على متلازمة الأطفال الذين تعرضوا للضرب في كل طبقات المجتمع، على الرغم من أن معدل الإصابة قد يكون أعلى في الأسر ذات الدخل المنخفض، حيث قد يعاني مقدمو الرعاية البالغين من ضغوط وصعوبات اجتماعية أكبر ويفتقرون بدرجة أكبر إلى السيطرة على أنفسهم خلال المواقف العصيبة.
“في عام 1996، تم الإبلاغ عن أكثر من 3 ملايين من ضحايا سوء المعاملة لخدمات حماية الطفل في الولايات المتحدة؛ تم إثبات التقارير في أكثر من مليون حالة، حيث كان الآباء مسيئين في 77%من الحالات المؤكدة ؛ والأقارب الآخرين في 11 %، و توفي أكثر من 1000 طفل من سوء المعاملة في عام 1996.”
أشكال العنف الذي يمكن أن يتعرض له الطفل
يتعرض الأطفال للعنف بصور وأشكال مختلفة، قد تتمثل ب:
1- العنف الجسدي والذي يأتي تحت راية التأديب، فيُسلط على الطفل عقوبات عنيفة وتتم معاملته بقسوة بحجة التربية.
2- العنف العاطفي (النفسي) من خلال تهديد الطفل وقمعه من التصرف والكلام بحرية، والتوبيخ والترهيب، والسخرية والتقليل منه، ناهيك عن المقارنة والتمييز بالمعاملة بينه وبين الأطفال الآخرين.
3- العنف الجنسي، الذي يتجسد بملامسة أجزاء من جسم الطفل. والمعاشرة الجنسية الكاملة أو محاولة المعاشرة الجنسية غير الرضائية، والتحرش الجنسي والاتجار الجنس.
4- العنف المنزلي أو الأسري، يشمل كل أفعال العنف الجسدي والنفسي والجنسي التي تمارس على الطفل من قبل أفراد الأسرة.
5- التنمر وهو عبارة عن تصرفات عدوانية يواجهها الطفل من قبل أطفال آخرين يلتقي بهم ضمن المدرسة أو الشارع او أي تجمع آخر يرتاده الطفل مع أطفال آخرين.
آثار العنف على الطفل أو رد فعل الطفل تجاه العنف الذي يتعرض أو تعرّض له
إنّ العنف شيء قاسي جداً ليتعرض له أي إنسان فكيف إن كان من نتحدث عنه طفلٌ صغير لم يتجاوز الثامنة عشر بعد!؟
يحمل العنف آثار جسدية وجنسية ونفسية سيئة جداً. منها ما هو قصير الأجل ومنها ما هو طويل الأجل. تتمثل بالإصابات الجسدية التي في بعض الحالات تصل حد التسبب بحصول إعاقة ما للطفل، ونفسية كالإكتئاب و اضطراب ما بعد الصدمة والقلق. ناهيك عن الأمراض الجنسية التي قد يصاب بها الطفل نتيجة العدوى أو الحمل غير المرغوب في مثل هذا السن بالنسبة للإناث.
وينتج أيضاً عن العنف الذي يتعرض له الأطفال إجهاد مرتبط بالاضطراب أثناء نمو الدماغ المبكر. وفي حال ارتفاع هذا الإجهاد بدرجة كبيرة يمكن أن يسبب إعاقة في نمو النظام العصبي والمناعي للطفل. الأمر الذي ينعكس بمشاكل سلوكية متعلقة بالصحة البدنية والنفسية لاحقة على الطفل كارتكاب العنف، والتدخين، والسمنة، والسلوكيات الجنسية التي ينتج عنها مخاطر كبيرة، الحمل غير المقصود، وإدمان الكحول والمخدرات.
بالإضافة إلى أن تعرض الأطفال للعنف يساهم في انعدام المساواة في التعليم. حيث أنّ الأطفال الذين تعرضوا لأي شكل من أشكال العنف في مرحلة الطفولة مهددين أكثر من غيرهم بنسبة 13% لعدم التخرج من المدارس.
وإلى جانب كل هذه النتائج الصحية والاجتماعية والتعليمية المترتبة على تعنيف الأطفال، هناك العائق الإقتصادي الذي يتربص بتكاليف العلاج في المستشفيات، والعلاج النفسي، والتكاليف الصحية طويلة الأمد.
هل يمكن علاج الشخص المنتهك؟
إن كان الشخص المنتهك، طفل أو امرأة أو رجل. فإن علاج متلازمة الشخص المنتهك تتطلب العمل وفق جبهتين، بدنية ونفسية، والمتابعة حتى التأكد من نجاح عملية العلاج.
حيث يتم الاهتمام بمُعالَجة الإصابات بالدرجة الأولى من ثم اتخاذ بعض التدابير لضمان سلامة الشخص المنتهك، التي تشمل إبلاغ الجهات المختصة وفي بعض الأحيان قد تتطلب نقل الشخص بعيدًا عن المنزل إلى مكان أكثر أماناً لإبعادهم عمّن يقوم بتعنيفه.
كما يتم إحالة الشخص إلى قسم رعاية الصحة النفسية، وذلك لمواجهة وعلاج المشاكل طويلة الأمد الشائعة في مثل هذه الحالات. وفي أغلب الأحيان يكون هناك حاجة إلى المشورة النفسية والمتابعة على المدى الطويل.
بالتأكيد ومن المؤسف، فإنَّ حلقات العنف حولنا كثيرة وهي تتكرر منذ سنين رغم كل الجهود لإيقافها إلا أنّ كل ما تم حتى الآن شحيح مقارنةّ مع أعداد الضحايا وحاجتهم الماسة للإنقاذ.
إعداد: سناء سليمان
للقراءة أيضاً:
معنّفات لا يُرِدنَ النجاة… “متلازمة ستوكهولم”: عندما تعشق الضّحية جلادها