نزاع؟
بداية تعريف النزاع ببساطة: هو عبارة عن علاقة بين طرفين أو أكثر لديهم أو يعتقدون أن لديهم أهداف غير متناغمة أو منسجمة أو ربما لديهم اختلاف في وجهات النظر، تضارب المصالح، سوء الفهم أو اختلاف الحاجات أو التعدي على الحقوق المكتسبة.
وللنزاع تعاريف عديدة، أطراف عديدة، وأسباب عديدة فقد يكون بين طرفين أو أطراف متعددة وقد يكون نزاع بين الفرد ونفسه.
وهو أمر طبيعي فهو موجود من حولنا وداخلنا وينشأ من الاختلاف وهو أحد حقائق الحياة التي لا نستطيع أن ننكر ووجودها فنحن نعيش نزاعات بدءاً من ذواتنا ونحن نكتشفها، لأسرتنا، لمجتمعنا المحيط الكبير الذي نولد أو نعيش فيه أو نَعمل به.
فنزاعاتنا الداخلية عند اكتشاف ذواتنا واختيار هوياتنا ومن نكون، أو نزاع على لعبة نريد أنا وأخي أن نلعب بها، لنزاع على أرض ومن أحق بها.
فلا تكمن المشكلة بالنزاع بحد ذاته ولا بأساس وجوده لأنه دائماً موجود بأشكال وطرق مختلفة!
بل تكمن المشكلة بفهمنا للنزاع وأسبابه وطرقنا وآلياتنا بالتعامل معه ومع الأطراف المعنية فيه لكي يتم إيجاد آراء ومصالح ترضي الأطراف كافة ولعدم الوصول إلى حالة يصبح فيها العنف هو الحل الوحيد.
ويتحول إلى نزاع عنيف لأنه ليس كل نزاع هو عنف لكن كل عنف هو نزاع.
أما عن أسبابه المتعددة والأدوات التي قد تساعدنا على تحليله فسنتعرف على بعضها في المقال.
أسباب النزاعات:
الخطوة الأولى لنتمكن من فهم النزاع علينا أن نعود لأسبابه، فلا يوجد نزاع من عدم أو بدون أسباب، لا بد أن نغوص بعمقه لمعرفة أسبابه والتعمق فيه لنستطيع معرفة كيف نتعامل معه، وذلك من خلال عدة طرق وأدوات لتحليله الذي أمامنا أو الذي نعيشه.
أما عن أسبابه العديدة:
- فقد يعود إلى نزاع للسيطرة على موارد: كمياه طعام أو أرض.
- وقد يكون على سلطة كمواقع العمل أو القيم، فكلٍ منا يحمل قيمه ويعمل للحفاظ عليها وألا تُمس بأذى.
- ومن الممكن أن يكون النزاع على الهويات، فالحفاظ على هوياتنا المتنوعة والمتعددة ووجودها بكل حيثياتها من ثقافة ولغة وأفكار نؤمن بها، فالهوية ليست بالشيئ البسيط ولا هي بالشيئ المعقد، إنها مزيج من تراكمات ومحددات شكلت هوياتنا بكل ما فيها من طباع وقضايا وثقافة وبيئة وأشخاص وخبرات تراكمت على مر السنين. فنبذل ما بوسعنا كي نحافظ على هذا المزيج الذي يعتبر موروثنا، وعند ما يمس النزاع جزء من هذه الهوية والذي تُصب في هذه النزاعات كم هائل من الافتراضات والأحكام عن الآخر وهويته التي يجب أن تُمنح فرصة لاختبارها أو إبقائها معنا لكن بتروي، وألا تكون هي الأساس بسلوكيتنا وردات أفعالنا أو أفعالنا في هذا النزاع الحساس.
فمعرفتنا لهوياتنا ومحاولتنا لاكتشاف هويات الآخرين والنظر إلى الكم الهائل من التشابه والترابط بينها ليس فقط الاختلاف، هذا ما يساعد بجعلنا أكثر وعياً بأن النزاع أمر طبيعي.
لكن من غير الطبيعي هو تحويله لنزاع عنيف يجعلنا مذنبين وممارسين للانتهاكات بحق هويتنا الذاتية والجماعية وحق هويات الآخرين، وينتهي بنا المطاف لنكون منتهكين لإنسانيتنا وإنسانية الآخرين.
أدوات تحليل النزاعات
أداة الشجرة في تحليل النزاع:
هناك دائماً خيط يفصل بين نزاع يبني ويُغير تغيير إيجابياً، وبين نزاع تكون نتائجه كارثية وعنيفة.
ويبدأ هذا الخيط من لحظة عودتنا إلى أسبابه والتي “ذُكر بعضها سابقاً” وأن نأخذ قرار فهم وتحليل النزاع، فالنزاع يشبه الشجرة إلى حد كبير وهي أحد آليات تحليل النزاع لمعرفة جذور هذه الشجرة أي جذور النزاع، لنسأل هل هو نزاع تاريخي أم ثقافي أم اختلاف موازين القوى.
ليكون الجذع ممثل بموقف النزاع بحد ذاته، والأوراق هو نتائجه.
أداة مثلث تحليل النزاع:
من إحدى الأدوات المستخدمة في التحليل وهو مثلث النزاع الذي طوره الباحث والمختص بعلوم السلام البروفيسور يوهان غالتونغ[1] ويتألف المثلث من ثلاث عوامل مواقف ,سلوك, سياق.
الزاوية الأولى: المواقف:
تمثل تصورات معتقدات ومشاعر أطراف النزاع تجاه بعضها البعض مثل انعدام الثقة.
الزاوية الثانية: السلوك:
يمثل السلوك البادرة لإنفجار النزاع مثل: المجادلة والكلمات القاسية والصراخ والشتائم وقد يصل المراحل حد استخدام القوة، فأفعال العنف الجسدي واللفظي يخدم التصعيد وينتج عنه سلسلة من النزاعات العنيفة.
الزاوية الثالثة: السياق:
هو الإطار الذي يجري فيه النزاع، فهو الواقع الموضوعي الذي يتعلق به، والبيئة التي يحدث فيها.
وهنا نتدارك أن يتفاقم النزاع ونعطي فرصة لأنفسنا وللأطراف بالتراجع خطوات ليبقى نزاع طبيعي ولا يتحول لأقطاب عنيفة، إضافةً لأن نتحلى جميعاً بالصبر على خلافاتنا الأولوية ونزاعاتنا من باب اختلاف وجهات النظر وألا نخلط بين النزاع الفكري والشخص.
وفهمنا لما يحدث داخل النزاع يساعدنا على فتح قنوات اتصال واكتشاف أفكار وربما إبداع جديد عند الوصول لحل مرضي للأطراف جميعها فعندما ندمج الأفكار والآراء والدمج يعني أن تضم وأن تمزج وتتحول إلى شيء جديد بالكامل تصهر بشكل كلي.
فتخلق حالات جديدة مختلفة كلياً أو ربما مشابهة للتوقعات والافتراضات التي كانت أطراف النزاع وَضعتها في أذهاننا، لكنها حالات جديدة تبني جسور من الحوار وتساعدنا في النظر بعدسة أخرى غير العدسة التي ترتديها أطرافه، فتفتح لنا آفاق إبداعية لم نتوقع الوصول لها تجعلنا نغوص ونكتشف جوانب جديدة في أنفسنا والآخر، فعندما نحترم الاختلاف الذي خلق النزاع، يساعدنا ذلك على عدم تأجيج النزاع.
النزاع لا يعني الحرب بل ربما بدايات جديدة
يقول أمين معلوف بكتاب الهويات القاتلة:
"كلما شعر المهاجر بأن ثقافته الأصلية محترمة انفتح أكثر على ثقافة البلد المضيف."
أمين معلوف Tweet
وهذا ما يحدث عند الانتقال من مكان لآخر، نكون في حالة دفاعية عن أنفسنا وعن اختلافنا. وهذا يؤكد على احترام الهويات، الأفكار، الآراء والثقافات المختلفة وبأي بقعة جغرافية.
إن النزاعات موضوع متشعب ويحتاج الكثير من الوقت للتمكن من أدواته وفهم حقائق النزاعات التي تدور داخلنا وحولنا وأسبابها وكيفية التعامل معها واحتوائها، فهذه محاولة متواضعة للحديث عنها وبعض الأدوات التي تساعدنا على تحليلها والتعمق فيها وفهمها.
إعداد: شهد قرقوط
المزيد عن العنف والنزاع: