يحمل أغلب الناجون من الأزمات والأخطار الكبيرة المهددة للحياة حملاً ثقيلاً ومعقداً من المشاعر التي تتأرجح بين لوم النفس والقلق والاكتئاب والشعور بالذنب لنجاتهم وخسارة أقارب أو أصدقاء أو حتى أشخاص غرباء، ومن الممكن أن تذهب في اتجاه تبلد المشاعر أيضاً.
هل يبدو هذا الكلام مألوفاً؟ خاصة بعد الزلزال المدمر الذي حصل في سوريا وتركيا الذي جعلنا نجر وراءنا حبلاً طويلاً من هذه المشاعر.
هذا ما سنقوم بعرضه خلال هذا المقال والمعروف بمصطلح “ذنب الناجي” أو “عقدة الناجي”.
- ما هو ذنب الناجي؟
- متى ظهر استخدام عبارة ذنب الناجي؟
- هل يعتبر ذنب النجاة نوع من الاضطرابات؟
- ما هي الأعراض التي ترافق اضطراب ذنب النجاة؟
- ما مسببات ذنب الناجي أو ذنب النجاة؟
- علاج اضطراب ذنب الناجي
- استراتيجيات مساعدة للناجي أثناء شعوره بالذنب
ما هو ذنب الناجي؟
هو نوع خاص من الذنب، يتطور ويظهر عند الأفراد الذين تعرضوا لخطر كبير هدد حياتهم كالكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين نشطة وحوادث غرق وحتى الأمراض والأوبئة. يشعر الناجون بعدها بالذنب لأنهم نجوا بينما تعرض الأخرون لخسائر كبيرة أو توفوا، أو يتولد عندهم شعور مؤلم بسبب وفاة شخص ما كان يحاول إنقاذهم، ومن الممكن شعورهم بالذنب لاعتقادهم أنه كان من الممكن فعل شيء آخر في ذلك الوقت.
متى ظهر استخدام عبارة ذنب الناجي؟
استخدم ذنب الناجي لأول مرة لوصف المشاعر التي عاشها الناجون من الهولوكوست بعد عام 1933، لوصف حالات العديد من الأشخاص الذين مروا بخطر كبير هدد حياتهم وحياة الآخرين مثل الكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وأعاصير، حروب وأوبئة وجوائح.
أيضاً تمت دراسة الحالة نفسها عند أفراد نجوا من صدمات طبية مثلاً من مرض السرطان والإيدز بينما تشخيص آخرين كان مؤدي للوفاة سواء من عائلاتهم أو معارفهم وأصدقائهم.
كذلك الأمر مع بعض الموظفين الذين تولد عندهم الشعور بالذنب ولوم النفس لأنهم استمروا على رأس عملهم أثناء جائحة كورونا بينما أجبر الكثير من الموظفين على ترك وظائفهم بسبب التبعات الاقتصادية للوباء.
هل يعتبر ذنب النجاة نوع من الاضطرابات؟
تم اعتبار ذنب الناجي كأحد أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة، وقد يُنظر إليه على أنه أحد الأعراض المعرفية المرتبطة بالمزاج لاضطراب ما بعد الصدمة والتي تشمل الشعور المشوه بالذنب والأفكار السلبية عن الذات.
ومع ذلك، من الممكن أن يختبر الأشخاص ذنب الناجي دون الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، ومن الممكن أيضاً أن يعاني البعض من اضطراب ما بعد الصدمة دون المرور بأعراض ومشاعر الذنب بسبب النجاة.
أعراض اضطراب ذنب الناجي
تختلف أعراض اضطراب ذنب الناجي بين الناس، من الممكن أن تكون أعراض جسدية أو نفسية أو الاثنين معاً.
أكثر الأعراض النفسية شيوعاً:
- الشعور بالعجز
- تذكر الحادثة التي سببت الصدمة
- قلة التجاوب مع المحفزات
- أفكار تصل للهوس بالحدث الصادم
- أفكار انتحار
قد تتضمن الأعراض الجسدية ما يلي:
- تقلب بالشهية للطعام
- صعوبة بالنوم
- وجع رأس
- غثيان
- تشنج بالمعدة
- تسرع بضربات القلب
كما ينصح دائماً بالتواصل الفوري مع معالج نفسي أو طبيب نفسي في حال وجود أفكار انتحار.
من الممكن أن يختبر بعض الناس شعور الندم خاصة بعد الصدمات والحوادث الكبيرة، كالندم على أشياء فعلوها أو أشياء لم يقوموا بفعلها ويعتقدون بأنه كان من الممكن أن تغير مجرى الحدث، وإعادة صياغة الحادثة بهذه الطريقة من شأنها أن تكرس شعور الذنب، خاصة في حال أن فعلهم أو عدم فعلهم للشيء قد تسبب بعواقب سيئة.
ما هي مسببات ذنب الناجي؟
يحصل ذنب الناجي عند الأشخاص الذين اختبروا بعض أنواع الصدمات، ولكن ليس كل من خاض تجربة صعبة سيشعر بهذا النوع من الشعور بالذنب بسبب نجاته.
يلجأ بعض الأشخاص إلى إقحام لوم النفس عند تفسير الصدمات الناتجة عن حدث هدد حياتهم، فيقومون بإعزاء المسببات لصفاتهم الشخصية بدلاً من الأمور والقوى الخارجية التي لا يستطيعون التحكم بها مثل الكوارث الطبيعية والأوبئة، وهذا يجعلهم عرضة لاضطراب ذنب الناجي.
بينما البعض الآخر لديه القدرة على استيعاب اللوم وبالتالي من الممكن أن يتجاوز الدخول في هذا الاضطراب من خلال إعطاء التقدير لنفسه ولقدراته عند تقديم المساعدة مثلاً للآخرين بعد الحدث المهدد للحياة.
يوجد أيضاً بعض العوامل التي تزيد من نسبة تجربة الأشخاص لاضطراب ذنب الناجي مثل:
- التعرض للصدمات أثناء الطفولة من الممكن أن يزيد من احتمالية الشعور بمشاعر سلبية خاصة بعد الأحداث المهددة للحياة.
- حالات الاكتئاب التي يعيشها أشخاص بالوقت الحالي أو التي اختبروها سابقاً من شأنها أن تزيد من نسبة انخراط الأشخاص بدوامات من المشاعر السلبية والذنب بعد الصدمات.
- التقدير المتدني للذات عند بعض الأشخاص يعطي قيمة منخفضة لحياتهم الصحية من مختلف النواحي، الأمر الذي يجعلهم يسألون أنفسهم، هل أستحق الحظ الجيد الذي جعلني أنجو؟ وهو ما يوصلهم للشعور بالذنب أيضاً.
- الأشخاص الذين لا يتواجد حولهم شبكة قوية من الدعم الاجتماعي معرضون للإصابة بأعراض مرتبطة بذنب الناجي.
- يكون الأفراد أكثر قابلية للدخول باضطراب ما بعد الصدمات في حال قاوموا استراتيجيات التأقلم مع الضغوطات وانخرطوا بالتأقلم التجنبي مثل عدم الانخراط والاندماج مع الآخرين.
علاج اضطراب ذنب الناجي
من المهم الحصول على علاج جيد في حال اختبارك لأعراض مشابهة لما تم ذكره، اضطراب ذنب النجاة طبيعي وقد يستمر لعدة أسابيع ولكنه أيضاً يقلل من صحتك النفسية والجسدية، ومن الممكن أن يستحضر أخطار حقيقية على الحياة مثل الأفكار عن الانتحار خاصةً في حال وجود أعراض أخرى لاضطرابات ما بعد الصدمات.
أحد أهم الأساليب التي تساعد بشكل فعال هو العلاج المعرفي السلوكي، من خلال جلسات بين الناجي ومعالج نفسي لاكتشاف الأفكار السلبية التي تؤدي للشعور بالذنب، واختبار هذه الاعتقادات غير الواقعية واستبدالها مع أفكار واعتقادات أكثر واقعية أثناء علاج اضطراب ذنب الناجي.
كما أن أنواع العلاج النفسي الأخرى مثل العلاج الجماعي ومجموعات الدعم وحتى العلاج الدوائي من شأنها أن تساعد ضمن علاج أعراض اضطراب ذنب الناجي.
استراتيجيات مساعدة للتحكم بمشاعر الذنب عند النجاة
إذا وجدت نفسك تشعر بمشاعر الذنب لنجاتك من حدث هدد حياتك وسبب خسائر ووفيات، إليك بعض الاستراتيجيات التي يمكنك القيام بها للتحكم بهذه المشاعر:
- اسمح لنفسك بالحزن على الأشخاص الذين تعرضوا لخسائر كبيرة أو توفوا، امنح نفسك الوقت الكافي للحزن على طريقتك الخاصة.
- افعل شيئاً إيجابياً سواء لنفسك أو للآخرين، في العديد من الأوقات يكون القيام بأشياء بسيطة مساعد على التعافي والتخفيف من الشعور بالذنب.
- حول تركيزك إلى العوامل الخارجية التي ساهمت وأدت لحصول الحدث، لتستطيع التخلي عن لوم النفس الذي يساعد على توليد شعور الذنب.
- تدرب على مسامحة النفس، حتى لو كانت بعض تصرفاتك قد تسببت بضرر غير مقصود لشخص آخر، فإن تعلم مسامحة النفس والتدرب على ذلك يساعدك على المضي قدماً واستعادة النظرة الإيجابية عن نفسك.
- تذكر أن هذه المشاعر طبيعية وشائعة، شعورك بالذنب لا يعني أنك مذنب بشكل ما لقيامك بتصرف خاطئ. الحزن، الخوف، التوتر، الذنب هي مشاعر جداً طبيعية بعد الكوارث.
- من المقبول أن تكون سعيداً لنجاتك وبنفس الوقت أن تشعر بالحزن والأسى على مصير وخسائر الآخرين.
من خلال ما قمنا باستعراضه عن اضطراب ذنب الناجي في هذا المقال، نستطيع القول بأن اختباره أمر طبيعي وخصوصاً ضمن الأزمات ذات الضغط النفسي الحاد كتبعات الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في الفترة الأخيرة، ولابد من طلب استشارات اختصاصية في حال استمرار الأعراض أو تطورها.