من هو الوسيط الداخلي؟
نسمع دوماً عن أشخاص في المجتمع يستطيعون التدخل في النزاعات، يتمتعون بالقبول الاجتماعي والعزوة، يستمع لهم أطراف النزاعات.
يعرفون بالوسطاء الداخليين (الوسيط الداخلي)، أشخاص بادروا للتدخل في تحويل أو حل نزاع ما، وحرصوا على فهم مجتمعاتهم، والنزاعات الدائرة وتطوير العلاقات مع وبين الأطراف.
نتخيلهم يدخلون يجلسون وسط المجالس لديهم النفوذ والسطوة والمال، يأمرون فيطاعون ويبهرون الجميع مهما علا ضجيج النزاع!
التصورات المسبقة عن الوسطاء الداخليين تجعل أكثرنا يحجم عن المبادرة في حل نزاعات المجتمع أو العائلة أو لربما نزاع بسيط في الحي.
يمكنك إن عملت على تطوير بعض المهارات الذاتية والاجتماعية أن تكون وسيطاً داخلياً!
تميز الوسيط الداخلي
توقف للحظة!
اعرف أن دور الوسطاء الداخليين حساس ومعقد للغاية ولا يخلوا من المخاطر لا يمكن التعامل فيه باستسهال!
ليس من الضروري لتكون وسيطاً داخلياً أن تملك الشهادات العليا في القانون الدولي، أو عضوية هيئة دولية، وما سبق لا يمكن إنكار فائدته لكنه لا يكفي.
ميزة الوسيط الداخلي أنه يعيش النزاع، ففي نزاعات أسرتك قد تكون الأكثر قدرة على فهم الأطراف! أو في حيك أو مدينتك فأنت لا تحتاج مترجمين أو تلخيصات لتعرف مع ومن أين يمكنك البدء.
كيف لسؤال عن طبخة الزوجة اليوم أو ارتداء شال مختلف أن تؤهلك لتكون وسيطاً داخلياً فاعلاً؟
مهارات الوسيط الأساسية: استعملها وسطاء محليون في حالات نزاعات معقدة وصعبة
نشارك معكم مهارات أساسية استعملها وسطاء محليون في حالات نزاعات معقدة، هم أشخاص عاديون لكن غير العادي فيهم أنهم ثابروا وطورا هذه المهارات لتحسين أوضاع مجتمعاتهم أثناء النزاعات.
مهارة الوسيط الداخلي بإدارة التحيزات!
تصف بعض الأدبيات الوسطاء الداخليون بأنهم متحيزون، وتعتبر من نقاط ضعفهم مقابل الوسطاء الخارجيون. (Welton, 1987)
أجل الوسطاء الداخليون متحيزون، وليست جميع التحيزات متساوية أو ضارة!
إنهم من داخل النزاع، لديهم روابط أسرية أو شخصية أو اقتصادية أو سياسية بأحد أطراف النزاع.
كوسيط لا تتحيز في إدارة عملية الوساطة.
امنح جميع الأطراف وقتاً متساوياً، وعند الاجتماع معهم وازن في مواقع الجلوس وطريقة التحية والحوار واستخدام المفردات.
انتبه إلى التحيز في النتائج، عندما تصيغ أو تثبت الإتفاق، وازن بين جميع الأطراف وإلا تهدد عملية الوساطة بالانهيار.
تملك مهارة فصل الأشخاص عن سلوكهم، وافصل نفسك عن سلوكياتك لتكون واعياً لتحيزك متوازناً في تصرفاتك.
تطوير معرفة معمقة بالنزاع، مع علاقات وثيقة مع أطرافه
يمكنك دوماً الإطلاع على وضع نزاع ما، تقرأ الكثير من التقارير أو تشاهد الكثير من الأخبار، تقرأ المذكرات والتاريخ والاقتصاد.
لن تكفيك هذه المعرفة، المهارة أن تبني علاقات وثيقة مع أطراف النزاع، لتغيير السلوكيات وبدء التواصل.
أن تعرف مثلاً أن أخوك يستمع عادة لأختك الصغيرة، فرصة لتطلب منها أن التأثير عليه للحوار مع والده في النزاع الأسري، لكن إن لم تكن علاقتك قوية بأختك فقم بتعزيزها لتفتح لك هذا الباب في عملية الوساطة.
الوسيط الداخلي متعددوا الأدوار
يمكن أن تستضيف الأطراف، أو تسهل اجتماعهم، تنظم جهود التواصل، تدربهم على التعبير السلمي، لا تتشبث بالمسميات يمكن أن تكون اليوم طباخاً يدعو أصدقاءه المتخاصمين إلى وليمة، تعيد التواصل بينهم.
كل ما تقوم به لدعم أطراف النزاع في المفاوضات فأنت تقوم بدور الوسيط الداخلي.
الوسيط يعرف جيداً كيف يبني الثقة بين الأطراف
مهد قبل الانخراط في عملية الوساطة، ستبدأ بقياس جدية أطراف النزاع، معرفة إمكانياتهم ثم ابدأ بتحركات متناسقة متواترة تكسبك الثقة والسمعة.
أتقن القدرة على مسك الخيوط معاً دون أن تقطعها!
احرص على أن تكون متواجداً دوماً، وتشكل حلقة اتصال لجميع الجهات التي تريد التدخل للتأثير الإيجابي في النزاع.
في غالب الحالات لن تكون الفاعل الوحيد لكن من الجيد أن يكون هناك من ينسق جهود جميع الفاعلين بانتظار اللحظة الحاسمة.
ارجع بالأطراف إلى إنسانيتهم
يؤمن الوسطاء بقدرة الأشخاص على تغيير سلوكياتهم، حتى العنيفة منها، لن يتغير السلوك العنيف بمحاكمته والحكم على فاعله أو إدانته، وليست تلك مهام الوسيط.
مرتكب العنف في البداية والنهاية إنسان وربما يحتاج الفرصة لتذكيره بإنسانيته، وتذكيره بالفرص والحالات النفسية والعاطفية والاقتصادية عند توقف العنف.
استخدمت ستيلا سابيتي هذا في أوغندا، تقول أن سؤالاً بسيطاً قد يعيد إنساناً يرتكب سلوكاً عنيفاً إلى إنسانيته، سؤال مثل ماذا طبخت زوجتك لك الليلة الماضية؟ يغير الحالة العاطفية لمرتكب العنف ويخرج من هالة العنف، الذي يؤذيه كما يؤذي الضحايا وقد يكون فرصة للبدء بالتحدث.
"الإنسان مخلوق رائع، صحيح أننا نفعل أشياء سيئة، لكننا ما نزال صالحين. ولكن كيف يمكن أن نفصل الأشياء السيئة التي نقوم بها عن شخصياتنا الحقيقية؟ هذه هو التحدي الرئيسي في الوساطة."
ستيلا سابيتي Tweet
خلق مساحات للتعلم والمهارات الجديدة
عملية التعلم يمكن أن تحدث أيضاَ بالتعرف على خبرات ومعارف الأشخاص والبناء عليها.
يعرف المنخرطون في النزاع الأوضاع أفضل من غيرهم، قد يفتقدون اللغة المناسبة للتعبير مهارة التحليل والربط.
يبتكر الوسيط الوسائل لتخفيف آلام النزاع وإتاحة بيئة لتعلم جديد في جو من المرح لتخفيف المواقف الصعبة في النزاع.
التحلي بالصبر، وتفهم الصمت
لا تتعجل النتائج، يلعب الوسطاء دوراً رئيسياً في جميع مراحل العملية، عليك التحلي بالصبر في بداية العملية، وتفهم صمت الأشخاص، ليستمعوا لبعضهم.
إذا فهم الوسيط الصمت كتهاون بالعملية، قد يحرق الثقة.
تغيير القبعات والشالات في الوساطة
انظر بطريقة جديدة ومبتكرة، ملائمة للسياق والرؤية لا تتشبث بتسمية أو دور محدد لا يخدم العملية إذا وجدت انسحابك أفضل للوساطة فانسحب.
أفسح المجال لوسطاء آخرين يمكن أن يكونوا من طرف آخر، قد تحتاج لتبديل دورك لإزالة شبهة أو توضيح.
هكذا فعلت ديكا ابراهيم عبدي في واجير كينيا، كانت تتوسط بين المجتمعات المحلية، أصيبت ممثلة أحد الأطراف بمرض خطير ولم تتمكن من حضور الجلسة وطلبت من ديكا أن تحل محلها في عملية التفاوض!
تغلبت ديكا على حيرتها وخيارها بين أن تتهم بالانحياز إذا أخذت دور وسيط وطرف في وقت واحد، وأن تسيء وتخسر ثقة المرأة المريضة بنفس الوقت وابتكرت خياراً ثالثا لتميز بين دوريها!
فعندما تتحدث كوسيطة كانت ترتدي شالاً عادياً، وعندما تتحدث بصفتها ممثلة بديلة عن المرأة المريضة كانت ترتدي شالاً مختلفا على رأسها.
كسبت ديكا بفضل هذا الوضوح والمرونة ثقة الأطراف وأنقذت العملية.
بناء نظم الوساطة وتمكين وسطاء آخرين
تتذكر ديكا انخراطها في الوساطة بسبب تعليق لأمها: ” كنت أختبئ معك تحت السرير، عندما كنت طفلة صغيرة فهل يعقل أنني ما برحت أختبئ تحت السرير مع ابنتك؟ متى سينتهي هذا العنف؟!”
في عام 1992 بدأت وغيرها من النساء والرجال وساطة بين مجموعات من النساء يتقاتلن على الحصة في سوق واجير، لتتطور جهودهم لوساطات عشائرية وتخفيف الصراعات في كينيا والصومال وإثيوبيا.
مكنت ديكا وسطاء آخرين وأسست شبكة من الوسطاء من الرجال النساء والتجار والزعماء التقليديين.
مكن وطور آخرين ليشكلوا شبكة أمان وإنذار مبكر فلا يعود النزاع بسهولة، فكر بالاستدامة.
أخيراً لتكون وسيطاً فاعلاً آمن أنه يمكنك أن تبدأ، وتبادر في صناعة السلم الاجتماعي لا تنتظر لتملك جميع المهارات السابقة، لا أحد يملكها كلها.
الأفضل أن نبدأ وتتضافر جهود جميع الوسطاء للوصول إلى مجتمع مسالم يتعامل بطريقة أفضل مع النزاعات.
إعداد: محمد خير تيناوي
محام ناشط مجتمعي
عن الوساطة أيضاً: