غالباً عندما نقول رجالاً ونساء يتبادر إلى أذهاننا الكثير والكثير من الأسئلة:
- هل يطلب من الرجال والنساء القيام بالأدوار الرعائية كالأعمال المنزلية بنفس القدر؟
- هل يتقاضى الرجال والنساء نفس الأجر في سوق العمل؟
تفرض الثقافة والأعراف المجتمعية على المرأة أدواراً عليها الالتزام بها، ومن المتوقع منها أن تتصرف بما يناسب هذا الدور فما هو مفهوم الدور؟
بحسب النظريات الاجتماعية المتقدمة فالدور هو مجموعة من المتطلبات التي يفرضها المجتمع على الأشخاص الذين يشغلون مواقع اجتماعية معينة.
وهذا ما عبر عنه روبرت غرين في كتابه قوانين الطبيعة بأنه إذا كبر الإنسان بات لزاماً عليه أن يُظهر للعالم هوية ثابتة، فعليه أن يؤدي أدواراً محددة ويكون على مستوى من توقعات الثابتة.
دور المرأة في الأعمال المنزلية
في الأعراف التقليدية يُسند دور أساسي للفتيات والنساء ألا وهو القيام بالأعمال المنزلية كافة داخل الأسر، وهذه الأعمال تشمل القيام بأعمال التنظيف والطبخ ورعاية الأطفال، ويعتبر ذلك من التحديات الأساسية التي تواجهها النساء مقارنة بالرجال، هذا العبء الذي تتحمله النساء بشكل عام وبدون أجر، أو سيضطرون لدفع مقابل لمن سيقوم بهذه الخدمة.
وهذا ما عبر عنه علي عزت بيجوفيتش في كتابه هروبي إلى الحرية بأن ربة المنزل هي العامل الذي يعمل يومياً عشرة أو اثنتي عشرة ساعة، ويمكن أن نصفه في الإحصائيات بأنها شخص عاطل عن العمل، كما نعرف جيداً كم تتحمل المرأة من أعباء عمل وبشكل كامن نطلق عنها وصف “عاملة” وفي الوقت نفسه نتظاهر بأننا لا نراه، هذا التجاهل لعمل المرأة هو أحد جوانب الضغط.
ولو نعلم بأن هذا العبء الملقى على كاهل النساء يترتب عليه الكثير من الآثار، منها زيادة عدد ساعات العمل في الرعاية المنزلية وبالتالي انخفاض معدل مشاركتها ضمن القوى العاملة في الاقتصاد، فمن الصعب عليها أن تأخذ عملاً في معظم الأحيان حيث تزداد نسبة البطالة تلقائياً بين النساء لأن عمل المرأة في الرعاية الأسرية لا يعتبر عملاً.
إن العمل غير المأجور في رعاية الأطفال يجعل المرأة تنفق عدداً من الساعات يزيد بنحو خمس مرات عما ينفقه الرجل في أعمال الرعاية غير المأجورة.
منظمة العمل الدولية Tweet
في معظم البلدان العربية لا يعترف بالعمل الذي تقوم به المرأة في المنزل، ولا حتى في الأرياف في كل من الأعمال الزراعية والعناية بالحيوانات والصناعات الغذائية التقليدية التي تعمل على تصنيعها المرأة الريفية، والتي تعود على الأسرة بمردود مادي له أثر كبير على وضع الأسرة المعيشي ويأخذ الكثير الكثير من وقت وجهد المرأة ومع ذلك يعتبر هذا من الواجبات التي يجب أن تقوم بها المرأة وبشكل اعتيادي.
دور المرأة في سوق العمل وعدم المساواة في الأجر
من التحديات التي تواجهها النساء مقارنة بالرجال هي الأفكار النمطية المتوارثة والتي تقول بأن الرجل هو المعيل الوحيد للأسرة، وهذا الدور يعتبر راسخاً في معظم أذهان الأسر العربية إلى جانب تهميش دور المرأة في هذا الجانب.
وبحسب منظمة العمل الدولية يبلغ معدل مشاركة المرأة العربية في القوى العاملة 18.4% وهو الأدنى في العالم مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 48%، وعلى النقيض من ذلك تتجاوز معدلات مشاركة الرجل العربي في القوى العاملة 77%، كما يبلغ المتوسط العالمي 75%.
وتبلغ نسبة بطالة المرأة في الدول العربية 15.6% وهي ثلاثة أضعاف المعدل العالمي
وكل هذا يؤكد على عدم الاعتراف بالعمل المنزلي للمرأة الذي لا يباع ولا يشترى.
وفي مجتمعنا وبالرغم من أن قانون النظام الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004 لا يفرق بين الجنسين في الأجور، إلا أننا لا نرى انعكاساً كبيراُ له على أرض الواقع بسبب إجازات الأمومة واضطرار الكثير من الأمهات لأخذ إجازات شهرية أو سنوية للعناية بالأطفال بسبب عدم توفر أماكن ملائمة لرعاية الأطفال، وبديهياً أن هذه المهمة تعتبر دوراً للمرأة أكثر من الرجل لذلك حتماً ستضطر للانقطاع عن العمل، وبالتالي يؤثر ذلك على قدرتها للوصول إلى مناصب قيادية أو الحصول على ترقيات مناسبة، وبأبسط ما يمكن قوله هو عدم حصولها على التمكين وبناء القدرات اللازمة.
وكذلك فإن المادة 53 فصلّت إجازات الأمومة وأعطتها للأم، ولكن استبعدت حق الأب بالحصول على إجازة أبوة لقضاء وقت أطول مع أطفالهم ومع العائلة.
وفي القطاع الخاص تضطر النساء إلى التوقف عن العمل بمجرد إنجاب الأطفال وهذا بطبيعة الحال يزيد من الفجوة بين الجنسين.
وازداد الأمر صعوبة خاصة أثناء الحرب وغياب الرجال عن الساحة مما اضطر النساء للخروج إلى أسواق العمل غير النظامية، وبالتالي لا تسجل في بيانات التوظيف وهنا يصبحن عرضة لمخاطر السلامة والأمان والإجحاف بحقها في الأجور.
وبسبب الصراع الدائر اضطرت المرأة لطرق أبواباً من المهن التي لم تكن تعمل بها سابقاً، وقد أثبتت قدرتها على التكيف مع الأوضاع الصعبة مما خلق تحدياً جديداً، فوجدت نفسها معيلة للأسرة بالإضافة إلى الأعمال المنزلية.
هل نحن مهتمون بشأن مجتمع أكثر إنصافاً؟
صحيح أن اللامساواة منتشرة سواء من حيث إغفال قيمة عمل المرأة في المنزل وعدم المساواة في الأجور والتحديات التي تواجهها بسبب ثقافة المجتمع المتوارثة ولا يكفي مطلقاً أن نقول هذا غير مقبول إذا ما كنا فعلا نرغب بتحطيم السقف الذي وضع كحد لطموحات المرأة، ولا نستطيع إنكار أن المعايير الاجتماعية تضع قيوداً لما يعتبر سلوكاً مقبولاً وفي نفس الوقت تزيد من تضييق تصور ما هو مقبول وفقاً لهذه المعايير والأعراف تقدم النساء للرعاية بالآخرين وبدون أي مقابل أو ضمان لها، وبذات الوقت لا يمكننا أن ننكر أن هناك تغييراً واضحاً في بعض المواقف وجهوداً تبذل لأجل هذا التغيير، وهذا يشكل تحدياً يومياً بحمل هذه المسؤولية على عاتقنا كأشخاص مهتمون بأن نجعل مجتمعنا أكثر إنصافاً للجميع دون استثناء، بأن نساند وندعم جهود النساء اللواتي يحاولن كسر الجدران التي بنيت في طريقهم لتحد من نموهم وتطورهم هذه المساندة يمكن أن تخلق تغييراُ حقيقياً.
تقول امرأة تصف ما وصلت إليه بعد معاناة وتحديات وضعها المجتمع في طريقها “أنا فخورة بنفسي أعمل بكرامة وأعتمد على نفسي أنا فخورة وواثقة من نفسي”.
مما لاشك فيه أنه كلما زاد عدد النساء العاملات في مجتمع ما وعلى كل الأصعدة والمستويات زادت فرصة سماع أصوات جميع نساء هذا المجتمع.
بدوركم ما اقتراحاتكم ليكون مجتمعنا أكثر إنصافا للنساء؟