يتبادر أولاً لأذهان المتدربين عند سماعهم عبارة “التحري الإيجابي” في برنامج القيادة المجتمعية، التفكير بشكل إيجابي أو التفاؤل بالأشياء الجميلة المحيطة بنا.
بينما التحري الإيجابي يحفزنا لتحويل هذه الأفكار لسلوك في حياتنا وعملنا وحياة الأشخاص المحيطين بنا، وهذا أحد أهداف هذا المقال، هو الحديث عن كيفية تطبيق هذه المنهجية!
ماهو التحري الإيجابي؟
هو نهج إيجابي قائم على البحث في نقاط القوة والبناء عليها لتطوير القيادة والتغيير التنظيمي. طُور المنهج عام 1987 من قبل Suresh Srivastva & David Cooperrider في الولايات المتحدة الأمريكية وتم اعتماده كنظرية وآلية نظامية في إدارة المنظمات.
التحري الإيجابي هو منهجية تعتمدها الكثير من المنظمات والشركات وتنعكس بشكل مباشر أو غير مباشر على الأفراد والعاملين والموظفين في هذه الكيانات. وبالتالي فهي حتماً ستنعكس على المجتمعات والعالم المحيط بها.
يدعو الأشخاص للتركيز على الإيجابيات في كل موقف، وبالتالي خلق فرص لإحداث تنمية فعالة ضمن المحيط الذي يعملون فيه. بالإضافة إلى اسكتشاف الموارد المتاحة واغتنام الفرص في مجال عملهم التنموي ما يرفع سوية عمل المجتمع المحلي.
مستويات التحري الإيجابي
المستوى الأول: الفردي (أنا)
مسؤوليتي لتحفيز نفسي كي أستطيع أن أبحث عن كل الصفات الإيجابية: نقاط قوة، مميزات، مؤهلات، أو حتى قدرات أمتلكها وتستطيع أن تُساهم بشكل كبير لتطويري وهذا ما يمكنني من الوصول لأفضل نسخة من نفسي!
مثال: أنا عداء ولدي مسافة 1000 متر يجب أن أقطعها بمدة محددة.
استطعت ونجحت بقطع 800 متر!
فأول ما أفكر به، كيف استطعت أن أصل لـ 800 متر؟ ما العوامل والميزات التي ساعدتني على النجاح وأستطيع البناء عليها لتحقيق نتيجة أفضل في المرة القادمة؟
المستوى الثاني: أنا والآخر
كقائد مجتمعي لدي مسؤولية تحفيز الآخرين لاستكشاف نقاط قوتهم ومواردهم والمميزات الموجودة في شخصياتهم ليستطيعوا استثمارها والبناء عليها ضمن عملهم وفي حياتهم.
فعند التخطيط أو تنفيذ العمل يسأل الشخص “شو الشي الي بتعرف تعمله؟” ولا يُسأل العكس!
وبذلك يؤمن القائد المجتمعي وبعض أصحاب العمل بأن بناء الآخر يبدأ بالتركيز على نقاط قوته ومساعدته على استكشافها.
المستوى الثالث: المجتمعي
كيف سأتفاعل مع الأفراد ضمن دائرة مجتمعي لأسلط الضوء على الفرص ونقاط القوة والموارد الموجودة لديهم ليتمكنوا من التعامل مع الأزمات.
بأحد المجتمعات بوقت الحرب، حدث دمار للمراكز التعليمية والمدارس بشكل كبير.
لذلك لجأ المجتمع لموارده ونقاط قوته والفرص الموجودة حوله، فاعتمد على الكادر التعليمي الموجود لديه، وفتح بعض المنازل والجوامع لمتابعة العملية التعليمية للطلاب وبذلك استثمر الموارد المتاحة ضمن محيطه لتخطي التحدي.
أهمية وفوائد التحري الإيجابي للمؤسسات والأفراد والمجتمعات
- يتحدى التحري الإيجابي الطريقة التقليدية في حل المشكلات “الناس تتعلم من أخطائها”.
فهو يساعد ويحفز الناس لتتعلم من نجاحاتها. فبدلاً سؤال “بماذا أخطأت” سأسأل “بماذا نجحت” وكيف يمكنني البناء على نجاحي.
- التركيز على مهارات وقدرات الأشخاص المحيطين بنا: يحفز المنهج الأفراد على التركيز على نقاط القوة التي يمتلكونها ويدعوهم للحديث عن الإنجازات ليشعرو بالفخر ويعزز طاقاتهم للمستقبل.
- يتحدى ثقافة اللوم. فبدلاً من لوم الطالب لحصوله على علامة 9 من 10 وضياع العلامة، يدعونا المفهوم للتفكير بـ “كيف حصلت على علامة الـ 9 لكي أستطيع أن أحصل على 10 في المرة القادمة”.
يعتمد التحري الإيجابي مبدأ البناء على النجاحات والإنجازات ليكون قادراً على تطوير عمله وقدرته في المرات القادمة
- يساعد الناس على مشاركة قصص نجاحهم كطريقة للتقدم.
- أيضا يُحملنا مسؤولية الاحتفال بنجاحاتنا ويعتبرها حجر الأساس للتخطيط وللمضي للمستقبل بشكل أفضل.
آلية تطبيق التحري الإيجابي ضمن المجتمعات
بحياتنا، مبادراتنا، أنشطتنا، فرقنا التطوعية، بمؤسساتنا ومشاريعنا يساعد التحري الإيجابي بشكل أساسي في ابتكار حلول جديدة بناءً على ما حققناه سابقاً والبناء على الأمور الإيجابية المنجزة.
"إن أكبر خوف لدينا هو أننا غير كفوئين وأكبر خوف لنا هو أننا أقوياء دون حدود هو ضوؤنا الذي يخيفنا وليس ظلامنا نسأل أنفسنا من نحن لنكون رائعين وأذكياء ولدينا قدرات ماهرة وقوية؟ بالحقيقة، من نحن حتى لا تكن لدينا هذه الصفات؟ عندما نجعل ضوؤنا يشع فنحن غير مدركين أننا نستطيع السماح للآخرين بأن يفعلوا ذات الأمر وعندما نتحرر من خوفنا فإن وجودنا آلياً يحرر الآخرين."
ماري ان ويليامسون
نهايةً
لا ينكر التحري الإيجابي وجود الأخطاء أبداً، ولكن ليس بالضرورة أن نضعها في الواجهة وأن تكون محددة لمسار عملنا.
نستطيع اعتماد التحري الإيجابي في تخطيطنا وتنفيذنا أو حتى في سلوكنا على كافة المستويات!
المزيد في برنامج القيادة المجتمعية: القيادة الإبداعية نهجاً وسلوكاً وقيماً