لطالما كان القانون أساساً من أساسيات الحياة، فهو حاجة للبقاء كالنوم والطعام وغيرها من الحاجات الأساسية.
لابد لنا من العلم والمعرفة به، فهو سلاحنا الشرعي في وجه التعدي على حقوقنا، وإن لم نكن مستغرقين بمعرفته إلا أنه يجب علينا الإلمام بما هو كاف لجعلنا أشخاصاً أقوياء مدركين لحقوقنا ومستعدين لكسبها وصونها.
لنتذكر أن حقوقنا هي مسؤوليتنا وحدنا ونحن فقط من نقرر إما أن نضيعها أو نحافظ عليها ونصونها ونحميها.
على عاتقنا تقع هذه المسؤولية ومن هنا يتوجب على كل منا على الاقل المعرفة الدنيا بالقوانين العامة ومعرفة حقوقنا الأساسية أن يكون لدينا تواصل مستمر مع المسار القانوني إما بالقراءة أو بالإغناء المعرفي من متابعة مجريات التغيرات في القانون بشكل عام.
إن المجتمعات المدركة لثقافة الحقوق والمسؤوليات لديها القدرة على اتخاذ اجراءات تضمن حقوقها من أن تستلب أو تستباح، ولعل من أبرز القوانين التي يتوجب علينا المعرفة بها وأن تشكل مسار تربوي في حياتنا هي القوانين المرتبطة بالتحرش الجنسي كونها ظاهرة منتشرة إلا أن المعرفة بقوانينها ضامرة في أروقة الشوارع.
فهل التحرش الجنسي جريمة يعاقب عليها القانون؟ وهل اختلفت النصوص مع مرور الزمن أم بقيت تستخدم نفسها رغم تطور تسمية أشكال الاعتداء؟
إن جرائم التعرض والاعتداء قديمة قدم الزمن عاقبت عليها تشريعات عديدة ومن ضمنها التشريع السوري، حيث عاقب على جرائم التحرش بمسميات متعددة منذ صدور قانون العقوبات الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم \148\ لعام 1949 وتعديلاته اللاحقة.
لم يُطلق القانون المحلي كلمة تحرش في نصوص المواد القانونية على الإطلاق إنما استبدلها بمصطلحات مختلفة مثل “التعدي” و”التعرض” أو “عرض فعل” وغيرها من المسميات، حيث أنه عرض صور التحرش دون التطرق للتسمية بحد ذاتها قد يكون حفاظاً على الأذن العامة مع أنه قد يشكل لبساً لدى العديد من المتعرضين للفعل ذاته.
وتجدر الإشارة الى أنه في إحدى اجتهادات محكمة النقض ذُكرت كلمة تحرش في القرار 1933/1965 أساس 1909 قاعدة 1154 رقم مرجعية حمورابي: 47410 حيث جاءت “التحرش يقع على الذكور كما يقع على الإناث”.
محطة تحرش.. أنواع التحرش الجنسي وقوانين العقوبات
لا شك أنه يوجد العديد من الأماكن التي قد نتعرض فيها للتحرش الجنسي لا سيما في فترات الحرب وما بعد الحرب حيث تزداد الظروف المهيئة لارتكاب جرائم مشابهة.
لنتساءل الآن… ما هو أكثر مكان يمكن أن نتعرض فيه للتحرش؟
من وجهة نظرٍ شخصية، فإن وسائل النقل العامة هي من أكثر الأماكن التي يمكن أن يتعرض فيها أي شخص طفلاً كان أو يافعاً أو حتى امرأة مسنة للتحرش الجنسي.. لا سيما أن هناك أنواع من التحرش الجنسي لم يتطرق القانون السوري على حمايتها بعد.
التحرش الجنسي الجسدي
حيث نصت عليه المادة \505\ من قانون العقوبات السوري في المرسوم التشريعي رقم \148\ لعام 1949، وقد جاء فيها: “من لمس أو داعب بصورة منافية للحياء قاصراً لم يتم الخامسة عشر من عمره ذكراً كان أو أنثى أو فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة دون رضاهما عُوقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة ونصف”. وتجدر الإشارة هنا أن هذا النص ينطبق على الأنثى مهما كان عمرها وينطبق على الذكر القاصر ولا ينطبق عليه إذا كان قد تجاوز الخمس عشرة سنة.
التحرش الجنسي اللفظي
حيث نصت المادة \506\ من قانون العقوبات السوري في المرسوم التشريعي رقم \148\ لعام 1949 وقد جاء فيه “من عرض على قاصر لم يتم الخامسة عشر من عمره أو على فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة عملاً منافياً للحياء أو وجّه الى أحدهم كلاماً مخلاً بالحشمة عوقب بالحبس التكديري ثلاثة أيام أو بغرامة لا تزيد عن 100,000 ل.س مئة ألف ليرة سورية أو بالعقوبتين معاً.”
وتجدر الإشارة هنا على أن عقوبة الحبس التكديري تفرض على جرائم المخالفات عادة وتتراوح مدتها من يوم إلى عشرة أيام.
ملاحظة: هذا النص معدل في قيمة الغرامة حيث كانت قيمة الغرامة سابقا قبل التعديل 2000 ل.س.
ويجب التنويه هنا أن إختيار العقوبة يعود إلى تقدير القاضي إما أن يحكم بإحدى العقوبتين أي بالحبس التكديري فقط أو بالغرامة فقط أو يقرر الحكم بالعقوبتين الحبس مع الغرامة.
التحرش الجنسي البصري
لا يوجد أي نص قانوني حتى الآن.
تحرش جنسي باستخدام السلطة
حيث نصت المادة \510\ من قانون العقوبات السوري في المرسوم التشريعي رقم \148\ لعام 1949 وقد جاء فيها “يعاقب بالحبس ثلاث سنوات على الأقل وبغرامة لا تنقص عن 500,000 خمسمئة ألف ليرة سورية من أقدم إرضاء لأهواء الغير على إغواء أو اجتذاب أو إبعاد امرأة أو فتاة لم تتم الحادية والعشرين من عمرها ولو برضاها”.
كما أن المادة \510\ كانت قد غطت في جزئية استعمال الخداع النوع الخامس من التحرش الجنسي وهو:
التحرش الجنسي بالمراوغة
حيث جاء في الجزء الثاني من المادة التالي: “….أو امرأة أو فتاة تجاوزت الحادية والعشرين من العمر باستعمال الخداع أو العنف أو التهديد أو صرف النفوذ أو غير ذلك من وسائل الإكراه”.
أي أن نص المادة \510\ يطبق على جرمي التحرش الجنسي بالمراوغة والتحرش الجنسي باستخدام السلطة فهذا النص كان شاملاً لكلا الحالتين.
التحرش الجنسي الرقمي (الإلكتروني)
حيث جاء في قانون جرائم المعلوماتية رقم 20 لعام 2022 في المادة رقم 33 الفقرة ج: “إذا ارتُكبت أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في القوانين النافذة باستعمال وسائل تقانة المعلومات تُشدَّد العقوبة” بدلالة المادة 247 وبصيغة أوضح ننوه هنا أن قانون الجريمة الالكترونية لا يوجد فيه مواد خاصة لجرائم محددة فهو يقسم الجرائم بشكل عام إلى قسمين: جرائم تقليدية تُرتكب عبر الشبكة وجرائم مستحدثة.
فإذا ارتُكبت الجرائم التقليدية (كنص المادة 506) عبر الشبكة تشدد العقوبة أما فيما يخص الجرائم المستحدثة فهي تتضمن الجرائم الخاصة بالشبكة أو التي ترتكب بواسطتها.
التحرش الجنسي الايحائي
لا يوجد أي نص قانوني حتى الآن.
وفي نهاية أنواع التحرش الجنسي لابد من الإشارة إلى وجود نص قانوني من المادة \507\ من قانون العقوبات السوري والتي جاء فيها “كل رجل تنكَّر بزي امرأة فدخل مكاناً خاصاً بالنساء أو محظوراً دخوله وقت الفعل لغير النساء عُوقب بالحبس لأكثر من سنة ونصف”.
هذا النص لم يغطِ أي نوع من أنواع التحرش وبرأي شخصي: إن هذا الفعل يعتبر تحرشاً كونه لم يتعدى إلى فعل آخر من أفعال التعدي كالإغتصاب أو السرقة.
وبالرجوع إلى تعريف التحرش الجنسي بحسب الأمم المتحدة UNFPA “صيغة من الكلمات غير مرغوب بها والأفعال ذات الطابع الجنسي والتي تنتهك الجسد أو خصوصية أو مشاعر شخص ما وتجعله يشعر بعدم الراحة أو التهديد أو عدم الأمان أو الخوف أو عدم الاحترام أو الترويع أو الإهانة أو الإساءة أو الترهيب أو الانتهاك أو أنه مجرد جسد” فإن هذا النص ينطبق على تعريف التحرش.
ووفقاً للمادة \492\ من قانون العقوبات السوري في المرسوم التشريعي رقم \148\ لعام 1949 والتي جاء فيها :”إذا كان مرتكب الفعل أحد أصوله شرعياً كان أو غير شرعي أو أحد أصهاره لجهة الأصول وكل شخص مارس عليه سلطة شرعية أو فعلية أو أحد خدم أولئك الأشخاص أو إذا كان المجرم موظفاً أو رجل دين أو كان مدير مكتب استخدام أو عاملاً فيه فارتكب الفعل مسيئاً استعمال السلطة أو التسهيلات التي يستمدها من وظيفته” فتشدد العقوبة في المواد من \504\ حتى \513\ والتي تشمل نصوص المواد التي ذكرناها سابقاً.
أي أن الجرائم التي تم ذكرها في نصوص المواد (\505\، \506\، \507\، \510\) تشدد عقوبتها إذا كان الفاعل أحد هَؤلاء الأشخاص المذكورين في هذه المادة \492\.
التحرش الجنسي.. بالعودة إلى الشارع السوري تحديداً
تمت ملاحظة أن هناك الكثير من الفتيات يتعرضن الى التحرش الجنسي بشتى أنواعه وبقيت محاضر الشكوى فارغة دون أي رد فعل على هذه الأحداث والأسباب واضحة.. الخوف من الفضيحة والخوف من تكاليف وأعباء القضية والخوف من المجتمع بحد ذاته أو حتى الالتفاف على القانون واستغلاله من قبل بعض ضعاف النفوس الذين يعملون في السلك القانوني فتصبح من خلالها أوراق الشكاوى مجرد أوراق تالفة بلا جدوى.
لكن في الوقت ذاته هناك العديد من الأشخاص الذين حصلوا على حقوقهم عن طريق الشكاوى ومتابعة الفرد شخصياً للشكوى وذلك بسبب المرجعية القانونية لديها والدعم الأسري المقدم لصاحب الشكوى.
في النتيجة: قلة الوعي القانوني يلعب دوراً كبيراً في ضياع حقوقنا فتقديم الدعاوي الجزائية بشكل عام وشكاوى التحرش الجنسي بشكل خاص لا تتطلب أعباءً مادية ولا تحتاج توكيل محامي أو رسوم معينة فهي دعوى حق عام تتكفل بها النيابة العامة التي دورها هو الحفاظ على حقوق الشعب كون التحرش الجنسي هو قضية مجتمع.
نؤكد هنا على ضرورة عدم السكوت عن هذا النوع من التعرض من خلال مسؤوليتنا المجتمعية وأدوارنا التي نقوم بها في نشر هذا النوع من الوعي الثقافي في الوسط المحيط بنا من خلال مبادرات توعية مجتمعية وقانونية في تعريف التحرش الجنسي وأشكاله وأنواعه وطريقة تعاطينا مع هذا النوع من التعدي وكيفية معالجة هذه الظاهرة ورفع مستوى الوعي لدى المجتمع مما سيدفعه لإتخاذ موقف حاسم بالوقوف الى جانب الضحية بدلاً من جلدها.