لا بد وأنك قد سمعت يوماً بمصطلح قائد فريق أو قائد مجموعة، أو أنك صادفت حيناً لمسمى القائد المجتمعي! فمن هو هذا القائد الذي يُحكى عنه؟
الحقيقة أنه بقدر فضولك للمزيد من المعرفة عنه في السطور التالية فإن المجتمعات بحاجة أكبر لمعرفة أدوارها ودعم وجود أمثله في سعيها للتغيير نحو الأفضل.
من هو القائد المجتمعي؟
القائد المجتمعي “هو الشخصية الاجتماعية الفاعلة والمؤثرة التي تعمل بطواعية وبشفافية، ويتمتع بثقة المجتمع بأكمله، حيث يعمل بآلية منهجية تحقق العمل التشاركي مع الآخرين، ويعتبر وهمزة وصل بين المجتمع والمؤسسات، حيث تجده أول من يطرح هموم واحتياجات المجتمع وفقاً لحركته ونبضه، ولديه القدرة الواسعة على التأثير وتحفيز الآخرين”.
هو ذاك الشخص الذي لا يحمل عصا سحرية في سعيه للتغيير الإيجابي، لكنه الشخص الملهم، المحفّز للآخرين ومن ينهج التحري الإيجابي في نفسه بدايةً وفي الآخرين من أفراد ومجتمعات بعدها، بُغية ملاحظة الفرص الموجودة بهذه المجتمعات وأفضل ما يسير على ما يرام ضمنها لحمل رايات قضايا مجتمعه، كما أنه يدعي الناس بسلوكياته ليقدموا أعمالهم في سبيل خلق التغيير بما يحتاجه مجتمعه.
فالقيادة في علم النفس مجموعة العمليات والفعاليات والأنشطة التي يقوم بها المرء من أجل قيادة أو توجيه الآخرين، وذلك بقصد أهداف محددة من خلال اتباع مجموعة من التنظيمات المنسقة، ولا تكون القيادة من قبل القائد للمجموعة أو الآخرين، بل يتبادل تأثير القيادة بين القائد والتابعين، فيتأثر كل منهما بالآخر.
وعليه فإن القيادة الإبداعية هي جوهر عمل القائد المجتمعي، حيث تضمن القيادة الإبداعية استدامة توليد قادة مجتمعيين بدعم وتحفيز أفراداً فاعلين ومدركين لأدوارهم ثم تمكينهم بأدوات العمل والتدخل السليم، ليكونوا بدورهم قادة مجتمعيين أكفاء سائرين مع مجتمعاتهم نحو الأفضل.
سلوكيات القادة المبدعين
بما أن سلوكياتنا ضمن محيطنا غالباً ما تكون معدية للآخرين، ولتكون العدوى إيجابية بما يصلح المجتمع فإن القيادة الإبداعية تحملنا مسؤولية تغيير سلوكياتنا لتكون ملهمة ومستندة على شغف الآخرين، ليقدموا أفضل ما لديهم في سبيل تقدم مجتمعاتهم.
كما أن القيادة الإبداعية تثني على الاختلاف بالرأي أو الثقافة وتفتخر به وتبني على وجود جميع الهويات لأنها أصلاً قيادة جماعية وشاملة تعتبر أن كل فرد مختلف هو مصدر غنى وثراء في عملنا بمجتمعاتنا.
أدوار القادة المجتمعيين
ولنرى دور القيادة في المجتمعات وما يمكن أن تحدثه من فرق، يمكن أن نذكر ما حدث بعد تفجير مرفأ بيروت في شهر آب عام 2020م، والدمار المادي الذي لحق بكلٍ من المشافي والشوارع والبيوت، عدا عن الخراب النفسي وأثره على الأشخاص، حتى ظهر جلياً دور القيادة الإبداعية في التعامل مع الفاجعة في هذه المدينة.
فظهر تدخل القادة المجتمعيين المبدعين بالتنظيم المجتمعي واستطاعوا أن يوظفوا طاقات المتطوعين كل حسب خبرته، فمنهم من شكّل فرقاً تطوعية تزيل المخلفات وأضرار الزجاج من الشوارع، وهناك آخرين من القادة المجتمعيين المبدعين بأساليب التواصل استطاعوا التلاقي مع الفرق الصغيرة بتوظيف قنوات التواصل الاجتماعي “Social Media” لربط الناس المفقودين مع ذويهم.
أما القادة المبدعين بأساليب الإغاثة والتنظيم المجتمعي على المستوى الأوسع استثمروا قدراتهم في تنظيم المساعدات القادمة من المدن الأخرى والمنظمات الإنسانية وتوزيعها على الأشخاص الأكثر احتياجاً. وتشكيل حالة من الحلول الإبداعية رغم صعوبة الموقف وتقديم أفضل استجابة ممكنة.
وهنا يظهر دور القائد المجتمعي المبدع المنفتح على الاستجابة لكل ما يمكن أن يحدث بطريقة إبداعية وفعالة حقيقةُ اعتماداً على أفضل ما يسير ضمن المجتمعات.
قيم القيادة الإبداعية
وبما أن كل عمل يقيّم بما يحمله من قيم حقيقية، ولأن القيم المجتمعية كثيرة ومتعددة، يتبنى برنامج القيادة المجتمعية مجموعة من القيم التي لابدّ أن ترافقنا أثناء تدخلاتنا وتفكيرنا واستكشافنا للمنظومات الأخرى. ولنتبناها أثناء تطوير أنفسنا كأشخاص وعكسها ضمن أفعالنا حتى نفعل ما نقول.
ولعل من أهم هذه القيم المجتمعية هي ما تمثله اختصارات كلمة (FREDA) التي يجب أن ترافقنا أثناء تدخلاتنا المجتمعية وتفكيرنا واستكشافنا المنظومات، وخلال تبنينا ومناصرتنا لقضايانا.
تمثل كلمة FREDA اختصاراً للحرف الأول من كل قيمة بحيث:
حرف F يرمز لكلمة Freedom قيمة الحرية
فكونك قائداً مجتمعياً مبدعاً يجب أن تعطي الحرية والمساحة للفريق الذي أنت تمثله وأيضاً للأشخاص الذين تتعامل معهم، و لذاتك أنت كفرد لتكون قادراً على إبداء رأيك والتعبير عنه، مما ينعكس على بناء الثقة بين المجتمعات والفرق والأشخاص وبين الشخص ونفسه.
حرف R يرمز Respect قيمة الاحترام
كونك قائد مجتمعي يجب أن تحترم وتحفز وتلهم الآخرين ليظهر باحترام التنوع الموجود من الثقافات والعادات والتقاليد الموجودة بالمجتمعات والمنظومات التي تقدم تدخلاتك ضمنها، وحتى احترام خصوصيات ومساحات الأفراد التي تتفاعل معها ضمن كل مراحل التدخل من التخطيط والتقييم إلى تنفيذ كل جزئيات ما تقوم به.
حرف E يرمز Equity قيمة الإنصاف
وجودك كقائد مجتمعي مبدع يتطلب منك إيجاد طرق تعامل وآليات مساواة منصفة وحتى البحث عن الأكثر إنصافاً في كل مرة تتدخل فيها بالمجتمعات.
حرف D يرمز Dignity أي قيمة الكرامة
وهي قيمة ملاصقة جداً للاحترام، فسعيك لتلبية حاجات الناس فأنت تضمن صون كرامتهم وكرامة المجتمع الذي تتدخل فيه أيضاً.
حرف A يرمز Appreciation من التقدير
وتتضمن تقدير الأشخاص والمجتمعات والمنظومات، وتقدير لحظات الفخر التي مرت بها هذه الأشخاص والمجتمعات واعتبارها نقطة بناء على أساسها يتم التخطيط للمستقبل وتقدير شغف الأشخاص المتنوعة والموجودة ضمن تفاعلاتنا مع الآخرين.
ويبقى وجود القادة المجتمعيين المبدعين مفتاحاً لتشجيع الآخرين على القيام بما يُحدث الفارق في صناعة التغيير الإيجابي في مجتمعاتهم وتماسكهم. وإن عكسهم هذه القيم في عملهم هو مرآة استدامة هذا التغيير للوصول لمجتمعات متماسكة متطورة.