“أكلت حلو جابت بنت، أكلت مالح جابت صبي.. يا ترى أنت على شو توحمتي؟”
“معك صبي أو بنت؟”
أسئلة غالباً نسمعها عند وجود أي امرأة حامل ضمن أي جلسة كانت!
وقد نسمع أيضاً:
“أنتِ فتاة لا يجب عليكِ قيادة شاحنة”
“أنت شاب لا يجب عليك الخياطة”
وبسبب العديد من العادات والتقاليد أصبحت هذه الأسئلة والعادات جزء من الموروث المجتمعي والثقافي.
يعني بأنك لو شاب فسيكون لك دور محدد، ولو كنتِ فتاة فسيكون لك دور آخر في العمل، في المنزل، الأسرة، وفي المجتمع ككل، إنه الجندر!
النوع الاجتماعي “الجندر”، مفهومه وانتشاره:
“أنتِ امرأة، أي أن مكانك البيت والمطبخ والغسيل وتربية الأطفال، ولا داعي للعمل، ما الداعي لدراستك الهندسة؟ هذا عمل الرجال.”
“أما أنت رجل عملك خارج المنزل، ومن المعيب مساعدة زوجتك أو والدتك (عيب تجلي).”
والكثير غيرها من الكلمات التي نسمعها من المجتمع المتعلقة بالرجل أو المرأة.
النوع الاجتماعي أو ما يدعى بـ الجندر الذي يُطلق على الأدوار الاجتماعية والقيم التي يحددها المجتمع لكل من المرأة والرجل وتتغير هذه الأدوار وفق العادات والتقاليد والقيم وأيضاً وفقاً لتغيير المكان والزمان.
بدأ انتشار هذا المفهوم في الغرب خلال القرن التاسع عشر من خلال ثلاث موجات نسوية التوجه، والتي ظهرت في أميركا الشمالية، ومن ثم انتقلت إلى أوروبا الغربية وانتشر استخدامها بشكل مكثف مع بداية عام 1988؛ حيث طالبت النسويات بالمساواة بين الرجل والمرأة في الواجبات والحقوق.
ويمكننا تعريفه بأنه الدور الاجتماعي والمكانة الاجتماعية والقيمة المعنوية الذين يحملهم الفرد في مجتمع ما والمرتبطين بكونه ذكراً أو أنثى. وأن الصفات البيولوجية التي يحملها كل من الرجل والمرأة ثابتة لا تتغير ومنه نرى أن هناك فرق بين الجنس والنوع الاجتماعي “الجندر”.
الفرق بين الجنس والجندر
الجنس: هو مجموعة الخصائص البيولوجية والفيزيائية الخاصة لكل رجل وامرأة فالجنس يبين الاختلاف البيولوجي الذي يميز الذكر عن الأنثى وما يترتب عليه من الحمل والولادة وبالطبع الاختلاف الجسدي حسب منظمة الصحة العالمية.
الجندر: كما ذكرنا سابقاً على أنه الأدوار والسلوكيات والأنشطة والصفات المحددة اجتماعياً للمرأة بأن لها أدوار تناسبها والرجل كذلك. ويتم بناء النوع الاجتماعي من خلال التنشئة الاجتماعية، وتحددها العادات والتقاليد والقيم.
كدور المرأة سابقاً كان مكرساً في المجتمع بأنها الزوجة والأم، فتغير إلى المرأة العاملة والفاعلة في المجتمع خارج نطاق الأسرة رغم أن جنسها وطبيعتها الفيزيولوجية لم تتغير وهذا ما يعنيه الجندر.
الأدوار الاجتماعية ومفاهيمها:
الدور الإنجابي:
لا يقتصر على المرأة دون الرجل على اعتباره جزء مشترك به ويشمل أيضاً المهام المنزلية وتنشئة الأطفال ورعايتهم وتعاونهم على ذلك.
الدور المجتمعي:
هو امتداد للدور الإنجابي ويتوزع هذا الدور بين الرجل والمرأة على حسب الثقافة المجتمعية وتسعى لتقديم الخدمات التي تساعد المجتمع البشري على البقاء والتطور كلجان الأحياء والمنظمات.
الدور الإنتاجي:
أو ما يسمى الاقتصادي، هي الأدوار التي يقوم بها الرجل أو المرأة على حد السواء يتقاضون مقابلها لأجور محددة. إلا أن هناك الفجوة الجندرية حتى الآن تقف عائقاً أمام العدالة، وهذا ما أكده البيان الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمي وأن المرأة لا تأخذ حقها في العمل والأجر على الرغم من أنها أحياناً تشغل نفس منصب الرجل في العمل ولكنه يأخذ أجر أعلى فقط لأنه رجل.
الدور السياسي:
إن الاحتكار للمناصب والسلطة منذ قديم الزمان إلى وقتنا الحالي بأنها مخصصة للرجال فقط، هو واضح بالنسبة إلى دور المرأة في هذا المجال فهو قليل ومحدود.
وتناولت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة مسألة الأدوار الجندرية في المجتمع وأكدت في مضمونها بأن التنمية التامة والكاملة لأي بلد ورفاهية العالم، وقضية السلم، تتطلب جميعاً مشاركة المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، أقصى مشاركة ممكنة في جميع الميادين.
العنف القائم على النوع الاجتماعي “الجندر”
كمفهوم النوع الاجتماعي إذ كنا سنتحدث عنه في مجتمعنا المحلي فقد ارتبط بمصطلح العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي ويمكن تعريفه:
“أنه العنف المرتكب ضد شخص بسبب نوعه أو جنسه، أي إجبار شخص على القيام بشيء ضد إرادته من خلال العنف أو الإكراه أو التهديد أو الخداع أو الضغط الثقافي أو الوسائل الاقتصادية. وعلى الرغم من أن غالبية الناجين من هذا العنف هم الفتيات والنساء ولكن للفتيان والرجال نصيب كبير أيضاً.”
ومؤخراً انتشر هذا المفهوم بشكل كبير، حيث يتم التعريف عن العنف القائم على النوع الاجتماعي بالإضافة إلى توضيح اختلافه عن العنف بحد ذاته من خلال التجارب المجتمعية.
فإحدى هذه التجارب كانت من خلال برنامج التدريب المهني في اللاذقية حيث طلبت إحدى السيدات والتي تبلغ من 50 عام أن تتعلم مهنة تصليح البرادات والغسالات، وهي مهنة متعارف عليها أنها ذكورية بحتة من المنظور العام، فمن وجهة نظرها أنها مهنة جيدة وبسبب الأوضاع الراهنة ووجود العديد من السيدات التي لا تملك معيل، فمن غير المتعارف وغير المرغوب به هو دخول رجل غريب للمنزل بحسب العادات والتقاليد، وجاء طلبها هذا بعد حملة تشرح دور المرأة وأهميته وكيفية وجود نساء عاملات وفاعلات في المجتمع.
كما أن تجربة قيادة المرأة لوسيلة المواصلات العامة مستهجنة وغير موجودة سابقاً، أما الآن فقد باتت موجودة رغم ندرتها، مع انتشار بعض تطبيقات طلب التاكسي أصبح هناك نساء تقوم بهذه الخدمة.
ولا تقف التجارب هنا، بل هناك العديد من هذه التجارب التي كسرت نمطية العمل الأنثوي والذكوري على حد السواء.
هنا، يجب أن نؤكد على أن النوع الاجتماعي لا يخص المرأة فقط، ولا بالجنس ولا بالسيطرة على الرجل، وليست حركة تهدف لتدمير العائلة، ولا لنقض القيم والعادات والتقاليد المجتمعية، ولا يعني أيضاً تخلي المرأة عن رعاية أطفالها ولا ترك أنوثتها؛ بل نعني بالنوع الاجتماعي الأدوار والحقوق والواجبات وممارسات المرأة والرجل في المجتمع.
فالوعي بأهمية الدور الاجتماعي في جميع الأماكن والوظائف وأن المساواة فيما بينهم من خلال معرفتهم لحقوقهم هو الذي يحقق التطور ويؤدي إلى حماية الشخص من التنمر والاستهجان في حال اختيار دور هو عرفياً واجتماعياً حكر على جنس دون الآخر ولا يعني التخلي عن هوية الشخص ذاته وتغيير جنسه البيولوجي.
جميعاً قادرين على ممارسة الأعمال والتكيف مع أنماطها وتعاملاتها، فكم من نساء حققن نجاحاً باهراً في مراكز ذكورية حسب الأعراف العالمية والعربية منها السياسية والاقتصادية والرياضية، وأدت إلى احترامها دون النظر إلى هويتها الجنسية وعلى الطرف الآخر إذ نرى العديد من الأعمال التي يمارسها الرجال والتي يبدعون بها وهم أهم من النساء بها كتصميم الأزياء والطبخ وهي مهام كانت مقترنة بالنساء حصراً.
إعداد: ساهير عيسه
للمزيد أيضاً:
المرأة ودورها ما بين سندان البيت ومطرقة العمل